بعد مضي 56 شهراً من وقف إطلاق النار... الأيادي الخفية وراء اشتعال الحرب في حلب
2 كانون الأول 2024 10:07
اسلام تايمز (سوريا )- بعد حقبةٍ امتدت لسنوات من الهدوء النسبي في الشمال السوري، ها هي محافظة "حلب" تعود مجدداً لتتصدر مسرح العمليات العسكرية في هذا البلد.
وفي تفاصيل المشهد الميداني، استيقظ سكان حلب في ساعات الفجر الأولى من يوم الأربعاء المنصرم، على وقع اشتباكاتٍ عنيفة غير مسبوقة منذ إقرار وقف إطلاق النار في مارس من العام 2020.
تكشفت خيوط الأحداث حين أقدمت التنظيمات الإرهابية المتمركزة في إدلب، تحت قيادة "هيئة تحرير الشام"، على شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق أطلقت عليها مسمى "ردع العدوان"، متخذةً من جبهتي جنوب شرق إدلب وغرب حلب مسرحاً لعملياتها العدائية.
استنفرت التنظيمات الإرهابية في عملياتها العدائية حشوداً كثيفةً من مقاتليها، تتضمن العشرات من العناصر الانتحارية، حيث أطلقت على مدار يومين متتاليين سلسلةً من الهجمات غير المسبوقة في شراستها واتساع نطاقها، مستهدفةً محاور متعددة، وتكشف التقارير الميدانية أن رقعة المواجهات المشتعلة، امتدت على مساحة تناهز الـ 26 كيلومتراً من الأراضي السورية.
وتشهد الجبهات القتالية في منطقتي عندان وخان العسل معارك طاحنة، حيث تبذل المجموعات التكفيرية مساعٍ محمومة للاستيلاء عليهما وإخضاعهما لسيطرتها.
وفي تطور لافت، أصدر حسن عبد الغني، الناطق الرسمي باسم غرفة العمليات العسكرية للتنظيمات الإرهابية، بياناً عبر منصة "إكس" جاء فيه: نجحت المجموعات المسلحة في بسط نفوذها وإحكام قبضتها بشكل كامل على ريف حلب الغربي، عقب مواجهات ضارية مع القوات السورية استمرت لست وثلاثين ساعة متواصلة.
وفي ادعاءاته المتتالية، زعم عبد الغني أن عناصرهم الإرهابية تمكنت من الاستحواذ على بلدة كفر حلب ذات الأهمية الاستراتيجية، فيما أفادت غرفة عملياتهم العسكرية بإحكام السيطرة على مواقع استراتيجية في الريف الجنوبي الشرقي لمحافظة إدلب.
أحكمت العناصر الإرهابية قبضتها، في تطورٍ ميداني خطير، على مقر "الفوج 46" الاستراتيجي في بلدة خان العسل، مُردفةً ذلك بالسيطرة على عشرات البلدات والقرى، ناهيك عن استيلائها على مطار النيرب في الجزء الشرقي لمدينة حلب.
ويكتسب الفوج 46 أهميةً استراتيجيةً بالغةً نظراً لموقعه المتميز على مرتفع استراتيجي يُطل على مدينة عطارب، مُشكّلاً نقطة تماس محورية تربط بين ريفي إدلب وحلب، علاوةً على ما يتمتع به منتسبوه من خبرات متخصصة وكفاءات متميزة في مجال العمليات الجوية للقوات السورية.
وكشف مصدر عسكري سوري أن الزخم الهجومي المتسارع للعناصر الإرهابية، مكّنها من التموضع على مسافة تناهز العشرة كيلومترات من قلب مدينة حلب، وبضعة كيلومترات فقط من بلدتي النبل والزهراء، اللتين تُشكلان الحزام الدفاعي المنيع للمدينة.
وتجري إدارة هذه العمليات العدائية، التي أُطلق عليها في الأوساط الإرهابية مسمى غرفة عمليات "الفتح المبين"، تحت القيادة المشتركة لهيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير، بالتنسيق مع حشد من التنظيمات المسلحة المتمركزة في القطاع الشمالي الغربي من سوريا.
وفي ادعاءٍ جديد، تزعم غرفة العمليات الإرهابية تمكنها، خلال الأيام الثلاثة المنصرمة، من إخضاع مساحة شاسعة تقارب 245 كيلومتراً مربعاً لسيطرتها.
أهداف الإرهابيين من الهجوم على حلب
يُمثّل الخرق الأخير لمناطق التماس مع الحكومة السورية المركزية منعطفاً خطيراً، إذ يُعدّ الانتهاك الأبرز منذ إبرام اتفاقية وقف إطلاق النار في مارس 2020، والتي حظيت برعاية ثلاثية من روسيا وتركيا وإيران.
وتأتي هذه التحركات العدائية في سياق سلسلة من التهديدات المتصاعدة التي أطلقتها الجماعات التكفيرية، مُعلنةً عزمها شنّ عمليات واسعة النطاق في محافظتي حلب وإدلب، بهدف استعادة المناطق التي خسرتها إبان معارك 2020، وقد أطلقت هذه العناصر على عملياتها مُسمّى "ردع العدوان"، في محاولة لتحقيق توازن ردعي مع القوات النظامية السورية.
وفي تصريحات خاصة لـ"عرب بوست"، زعم عبد الغني قائلاً: "إن الوجود العسكري للقوات الحكومية في محيط المناطق المُحرَّرة، يُشكّل تهديداً وجودياً لأمن المنطقة وسكانها، وتضطلع غرفة العمليات بمسؤولية حماية المدنيين من هذا الخطر المُحدق الذي يستهدف وجودهم وأمنهم".
وأضاف موضحاً: "تهدف العملية إلى إجهاض مخططات الخصم، عبر توجيه ضربات استباقية مدروسة ضد مواقع تمركز القوات المسلحة".
ومن جانبه، كشف أسامة حاج حسين، أحد القيادات العسكرية للجماعات الإرهابية، في حوار مع "عرب بوست" عن الأبعاد الاستراتيجية للعملية قائلاً: "إن السيطرة على الطريق الدولي حلب-دمشق (M5)، سيؤدي إلى قطع شريان الإمداد الرئيسي لقوات دمشق المتجهة إلى حلب، ما يُمهّد الطريق للتقدم نحو المدينة والسيطرة عليها".
وفي السياق ذاته، أوضح محمد خير الدين، أحد عناصر الجماعات الإرهابية، الأهداف التكتيكية للعملية قائلاً: "تستهدف هذه التحركات تأمين المناطق المُحرَّرة وصدّ الهجمات السورية، فضلاً عن منع تموضع العناصر الإيرانية وحزب الله في النطاق المحاذي لمناطق المعارضة".
ردّ فعل الجيش السوري
في تطور ميداني لافت، انقلب المشهد العسكري رأساً على عقب بعدما استثمرت العناصر التكفيرية عنصر المباغتة في هجماتها الأولية، فرغم نجاحها في السيطرة الخاطفة على بعض المناطق، إلا أن نشوة انتصارها الأولي تبددت سريعاً أمام الرد العسكري الحاسم للجيش السوري وحلفائه، الذين شرعوا في عمليات واسعة النطاق لاستعادة المناطق المُحتلة.
وفي متابعة ميدانية لقناة العالم، أفادت المصادر العسكرية بأن القوات السورية نجحت، خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية، في استعادة السيطرة على رقعة جغرافية تمتد على مساحة 400 كيلومتر مربع، تضمّ في نطاقها 56 تجمعاً سكنياً ما بين بلدة وقرية في محافظتي حلب وإدلب.
وفي تصعيد نوعي للعمليات العسكرية، نفّذت المقاتلات السورية ضربةً دقيقةً استهدفت المركز الرئيسي لغرفة عمليات العناصر الإرهابية في محيط مدينة المرعية شمال حلب، ما أسفر عن خسائر فادحة في صفوف التكفيريين بين قتيل وجريح.
وفي سياق المعارك المحتدمة، شكلت استعادة بلدة خان العسل الاستراتيجية نقطة تحول محورية في مسار العمليات، فبعد أن تمكنت العناصر الإرهابية من السيطرة المؤقتة على هذه البوابة الحيوية لمدينة حلب، نجحت القوات السورية في استعادتها بعملية عسكرية محكمة.
وفي بيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع السورية، أكدت الوزارة استمرار قواتها في تنفيذ عمليات نوعية لصدّ الهجمات الإرهابية، مشيرةً إلى إلحاق خسائر جسيمة بالعتاد العسكري للتكفيريين، وتحييد ما يزيد على 150 عنصراً من تنظيم "هيئة تحرير الشام" الإرهابي في يوم واحد فقط.
وتشهد جبهات القتال في محافظتي حلب وإدلب اشتباكات عنيفة، حيث يواصل الجيش السوري وحلفاؤه عملياتهم العسكرية على عدة محاور، مستهدفين بضربات صاروخية دقيقة مواقع الجماعات الإرهابية في مناطق دارة عزة وقبتان الجبل بريف حلب الغربي.
وفي إطار العمليات النوعية، نجحت القوات السورية في استعادة السيطرة على عدة مناطق استراتيجية، تشمل بلدات كفر البطيخ وجوبريف وجوباس، مع نشر تعزيزات عسكرية متطورة على خطوط التماس الأمامية.
كما استهدفت القوات السورية خطوط إمداد العناصر المسلحة في نطاق جغرافي واسع يشمل: ريف إدلب الشرقي: بلدات آفس، سرمين، سان، النيرب، ومعربليت، جبل الزاوية، وفي ريف إدلب الجنوبي: محيط البارة، فليفل، الفطيرة، ودير السنبل، سهل الغاب وغرب حماة: العنكاوي، القرقور، مشيك، وخربة الناقوس.
وقد أسفرت هذه العمليات عن خسائر فادحة في صفوف المسلحين، فيما أُغلق الطريق الدولي لحلب نتيجة الاشتباكات المستمرة، وفي تطور ميداني لافت، كشف مصدر عسكري للميادين عن إحباط محاولة تسلل أربع مجموعات إرهابية إلى مدينة عنادان، مؤكداً سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم.
وفي سياق متصل، رصد سلاح الجو السوري تحركات قوافل الإرهابيين المتجهة نحو مدينة "المرعية"، موجّهاً ضربات دقيقة استهدفت مواقع تمركزهم ونقاط دخول قوافلهم في المنطقة الممتدة حتى منبج الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (الكردية).
أهمّية حلب
تتجلّى المكانة المحورية لمدينة حلب، في كونها تمثّل ثقلاً ديموغرافياً وحيوياً باعتبارها ثاني أكبر المحافظات السورية تعداداً، والعاصمة الاقتصادية للبلاد، وتزداد أهميتها الاستراتيجية بوقوعها ضمن النطاق الجغرافي لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، حيث تتصاعد تهديدات المجموعات المسلحة باستعادة النفوذ والسيطرة عليها.
ومن منظورٍ جيوسياسي، فإنّ إحكام السيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية - التي شكّلت محوراً رئيسياً في ديناميكيات الصراع منذ اندلاع الحرب الأهلية - من شأنه أن يُرجّح كفة الطرف المسيطر بصورةٍ حاسمة.
وفي حال نجحت الحكومة المركزية في بسط سيادتها الكاملة على هذا المركز الاستراتيجي، فإنّ ذلك سيؤدي حتماً إلى تطويق العناصر الإرهابية المتمركزة في إدلب، ما يُجرّدها من أي قدرة على مجابهة السلطة المركزية في دمشق.
ويترتب على ذلك أيضاً قطع شريان إمداد رئيسي للجماعات التكفيرية عبر الحدود التركية، الأمر الذي يُمهّد الطريق لاستئصال هذه التنظيمات من معاقلها في إدلب.
وتعي الجماعات الإرهابية تماماً الأهمية الاستراتيجية الفائقة لحلب، إذ تسعى من خلال السيطرة عليها إلى توسيع رقعة نفوذها، متخذةً منها منصةً مستقبليةً لاستهداف مواقع القوات السورية وحلفائها.
وفي هذا المضمار، أفصح مصدر عسكري من هذه التنظيمات لـ "عرب بوست" قائلاً: "إنّ التقدم نحو الطريق الدولي (M5) - الشريان الحيوي الرابط بين محافظة حلب والعاصمة دمشق – وقطعه، سيفضي إلى فرض طوق محكم حول مدينة حلب، وفي حال تمكّنت قواتنا من إحكام قبضتها على خان العسل، فإنّ ذلك سيؤدي إلى قطع خطوط الإمداد اللوجستية للقوات السورية إلى المدينة، ما يُيسّر مسار التقدم صوب حلب والسيطرة عليها".
بصمات اللاعبين الخارجيين في الهجوم على حلب
في خضمّ تحليل المشهد الجيوسياسي، يبرز التزامن اللافت بين الهجوم المباغت للتنظيمات الإرهابية، وبين المستجدات المتعلقة بوقف إطلاق النار في لبنان، وما شهدته الساحة من إخفاقات متتالية للكيان الصهيوني في مواجهة حزب الله والمقاومة.
وفي هذا السياق، يطرح خبراء الشؤون الاستراتيجية تحليلاً يشير إلى مساعي المجموعات المسلحة لاستثمار المعطيات الإقليمية الراهنة في تحقيق هدفين رئيسيين: أولاً: توسيع نطاق نفوذها في المحيط الاستراتيجي لحلب، وثانياً: تعزيز موقعها العسكري تحسباً لأي تحولات سياسية غير محسوبة
ويستند المحللون في قراءتهم للمشهد، إلى مؤشرات قوية تكشف عن بصمات واشنطن وتل أبيب في هذه العمليات العدائية، مستدلين على ذلك بالتوقيت الاستراتيجي للهجمات، والذي تزامن بشكل مباشر مع تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة اللبنانية والكيان الصهيوني.
وفي إطار تعزيز هذا التحليل، يأتي التصريح اللافت لرامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، في حديثه لشبكة سكاي نيوز عربية، حيث كشف عن معلومات استخباراتية ذات دلالة بالغة، مفادها: "وجود عملية تدريب ممنهجة امتدت لأشهر، قام خلالها ضباط من أوروبا الشرقية بتأهيل عناصر هيئة تحرير الشام على تقنيات تشغيل الطائرات المسيّرة، ما يُعزز بشكل جوهري فرضية التورط الغربي المباشر في تخطيط وتنفيذ هذه الهجمات".
وكشف إبراهيم حزروي، المراسل الميداني المتخصص في الشأن السوري بمدينة حلب، في حوارٍ خاص مع موقع "المشهد" قائلاً: "إن تزامن هذه الهجمات مع إبرام اتفاقية وقف إطلاق النار في لبنان، واقترانها بالتصريحات التصعيدية التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محذراً الرئيس السوري بشار الأسد من مغبة "اللعب بالنار"، يُشكّل مؤشراً استراتيجياً لا يمكن تجاهل أبعاده".
وأردف حزروي: "تتجه المؤشرات نحو احتمالية لجوء "إسرائيل" إلى توظيف الجماعات المسلحة في إدلب كورقة ضغط على دمشق، ولا سيما في ظل إعلان نتنياهو الصريح، منذ اندلاع المواجهات في لبنان، عن جاهزيته لتوجيه ضربات عسكرية ضد دمشق ومواجهة محور المقاومة".
في قراءة للمشهد الراهن، وعلى ضوء التصريحات التصعيدية لنتنياهو وتهديداته المباشرة باستهداف الرئيس الأسد، يتجلى المخطط الإسرائيلي الرامي إلى إحداث خلخلة أمنية في سوريا عبر تمكين الجماعات التكفيرية، في مسعىً لتنفيذ مشروعها الاستراتيجي المتمثل في إقصاء النفوذ الإيراني عن محيط الأراضي المحتلة، وهو المخطط الذي تبنته تل أبيب منذ عقدٍ كامل.
وكان نتنياهو قد وجّه في الآونة الأخيرة تحذيراً غير مسبوق إلى دمشق، متوعداً إياها بتداعيات وخيمة ما لم تبادر إلى وقف خطوط الإمداد العسكري الإيراني المتجهة إلى لبنان.
وبالتالي، يتجلى أن نتنياهو، الذي يرزح تحت وطأة ضغوطٍ سياسية غير مسبوقة من قِبَل المعارضة في الكيان المحتل، نتيجةً عجزه الاستراتيجي عن تحقيق أي اختراق في مواجهة حزب الله، يسعى جاهداً لإعادة إحياء استراتيجيته المنهارة في الساحة السورية، ويبدو هذا المسعى محاولةً مركبةً لصرف الأنظار عن إخفاقاته المتتالية، مع خلق بؤرة توتر جديدة تحت ذريعة التصدي لما يصفه بالتهديدات الإيرانية المزعومة في سوريا.
وفي تطورٍ بالغ الدلالة، برزت مؤشراتٌ قطعية تكشف عن الدور التركي المحوري، باعتبارها الراعي الرئيسي للجماعات المسلحة، في العمليات العدائية المستهدفة للعمق الاستراتيجي لمدينة حلب.
وفي هذا السياق، كشف محللون إعلاميون متخصصون في الشأن السوري بحلب، في تصريحاتٍ حصرية لموقع "المشهد"، أن "المركز التركي يتبنى سياسة الأبواب المفتوحة تجاه هيئة تحرير الشام والتنظيمات المسلحة الأخرى، حيث يضطلع الجيش التركي بدورٍ محوري في تزويدهم بالعتاد العسكري المتطور، مع تكثيفٍ ملحوظ لتحركاته العسكرية وتعزيز تحصيناته الاستراتيجية على محاور التماس".
وفي تأكيدٍ استخباراتي، أفاد مصدرٌ ميداني رفيع المستوى في حلب، في تصريحاتٍ خاصة لقناة الميادين، برصد تحركات لوجستية مكثفة تتمثل في قوافل من العناصر المسلحة والمعدات العسكرية والذخائر الاستراتيجية، تتدفق عبر المعبر الحدودي في باب السلمة، متخذةً مساراً تكتيكياً نحو جبهات الاشتباك في الجبهة الغربية لحلب.
ويخلص المحللون الاستراتيجيون في حلب، إلى أن التحركات التركية الراهنة تندرج ضمن استراتيجية متكاملة لانتزاع مكاسب جيوسياسية من موسكو في الملف السوري، مستثمرةً حالة التوتر المتصاعد مع روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية المستعرة.
وكشف عبد الرحمن في هذا الصدد قائلاً: "في حال ثبوت التورط التركي في المشهد الراهن، فإن المؤشرات الاستراتيجية تُرجّح أن تكون أنقرة بصدد ممارسة ضغوط متصاعدة على المنظومة السياسية السورية لإعادة صياغة مسار المفاوضات"، ويتزامن هذا مع التصريحات التصعيدية الأخيرة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي وجّه اتهامات صريحة للرئيس بشار الأسد بعدم الجاهزية للانخراط في المسار السلمي، في حين دعا الرئيس رجب طيب أردوغان القيادة الروسية لممارسة نفوذها على دمشق لتحقيق تطبيع العلاقات مع أنقرة.
وعليه، تتجلى استراتيجية حكومة أردوغان في توظيف ورقة الجماعات التكفيرية كأداة جيوسياسية لإحداث خلخلة في المنظومة الأمنية السورية، سعياً لتحصيل مكاسب سياسية وعسكرية من الحكومة السورية، ويأتي هذا التوجه في ظل الموقف الثابت للرئيس الأسد الذي يشترط انسحاب القوات التركية من المناطق الشمالية السورية كمقدمة لأي تطبيع للعلاقات، وهو الشرط الذي يرفض أردوغان الامتثال لمقتضياته.
وفي تقييمٍ للمشهد، قدّم آرون لوند، الخبير في الشأن السوري بمؤسسة القرن، تحليلاً لموقع الحرة جاء فيه: "إن نمط العمليات العدائية الحالي من قِبَل المعارضة يُمثّل ظاهرةً استثنائيةً، إذ لم نرصد سوى تحركات عسكرية محدودة خلال السنوات الأربع المنصرمة"، وتوقع لوند رداً روسياً-سورياً حاسماً على هذه العمليات، مرجّحاً أن يكون للدور التركي الثقل الاستراتيجي في هذه التحركات.
على الرغم من المساعي الحثيثة لبعض القوى الدولية لتعزيز القدرات العسكرية للجماعات الإرهابية في حلب، فإن القيادة السورية وحلفاءها الاستراتيجيين لن يسمحوا بإعادة زعزعة المنظومة الأمنية في سوريا، ومع تتابع الانتصارات الاستراتيجية لمحور المقاومة في الساحتين اللبنانية والغزّية، قد تشهد المرحلة المقبلة تصفيةً نهائيةً للوجود الإرهابي في سوريا بعد ثلاثة عشر عاماً من الصراع المحتدم.
رقم: 1176113