الدمار في غزة يعادل حجم "ست قنابل نووية"
11 تشرين الثاني 2024 08:56
اسلام تايمز (فلسطين) - شهد العام الماضي مستويات غير مسبوقة من العنف والدمار في غزة وجنوب لبنان، ما أثار استنكارًا عالميًا وأشعل احتجاجات دولية.
القصف المستمر من قبل الكيان الإسرائيلي، المدعوم من الولايات المتحدة، خلّف أثرًا من الموت والخراب على الشعب الفلسطيني في غزة وامتد حديثًا إلى عمليات مماثلة تستهدف لبنان، التأثير المشترك لهذه العمليات أدى إلى تهجير الملايين، وتدمير البنية التحتية الأساسية، وخلق ظروفاً تهدد الاستقرار والأمن طويل الأمد في المنطقة.
غزة تحت الحصار: الموت، النزوح، والدمار
من أكتوبر 2023 إلى أكتوبر 2024، تحملت غزة واحدة من أشرس حملات القصف في تاريخها، حيث تشير التقديرات إلى إسقاط أكثر من 85 ألف طن من المتفجرات على المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية، وتشير التقارير إلى أن أكثر من 43 ألف فلسطيني فقدوا حياتهم، فيما تعرض عشرات الآلاف الآخرون لإصابات، ودمّرت الضربات الجوية والقصف المدفعي المنازل والمستشفيات والمدارس والبنية التحتية الأساسية، ما جعل أجزاء من الأراضي غير صالحة للسكن.
يرى العديد من المحللين أن الهدف الرئيسي للكيان الإسرائيلي في غزة هو تدمير البنية التحتية للمنطقة بشكل منهجي، هذه الإستراتيجية، المعروفة بـ"الأرض المحروقة"، تهدف ليس فقط إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية، بل إلى خلق ظروف معيشية غير مستدامة للمدنيين، ما يؤدي إلى تهجيرهم من منازلهم ويزعزع النسيج الاجتماعي للمجتمع، هذا المستوى من التدمير ترك أجزاءً من غزة في حالة دمار هائلة تشبه ما بعد انفجار قنبلة نووية، وقدّرت المصادر العسكرية أن هذا الدمار يعادل القوة التفجيرية لست قنابل ذرية من حجم قنبلة هيروشيما، وهي مقارنة مرعبة تُبرز حجم الدمار.
أزمة إنسانية على وشك الانفجار
الأزمة الإنسانية في غزة خطيرة وتزداد سوءًا مع اقتراب الشتاء، يعاني أكثر من مليوني شخص من نقص شديد في الضروريات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء والإمدادات الطبية، ويعيش معظم الفلسطينيين النازحين في مخيمات مؤقتة أو في مبانٍ متضررة، ما يعرضهم لظروف غير صحية ولعدم كفاية المأوى. وحذرت العديد من المنظمات الإنسانية الدولية من أن كارثة إنسانية واسعة النطاق تلوح في الأفق إذا لم تصل المساعدات إلى السكان، إلا أن الحصار الصارم من قبل الكيان الإسرائيلي حدّ من وصول الإمدادات والعاملين في مجال الإغاثة.
يأتي فصل الشتاء بتحديات جديدة، حيث يهدد نقص التدفئة والمأوى السكان المعرضين للخطر، ويتعرض الأطفال وكبار السن، الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من المتأثرين، لمخاطر كبيرة، وقد دعت منظمات الإغاثة، التي تعمل في ظل قيود شديدة، مرارًا إلى وقف الأعمال العدائية لتقديم المساعدة الضرورية، لكن الهجمات استمرت بلا هوادة.
لبنان: جبهة جديدة في النزاع
بينما يستمر الدمار في غزة، شن الكيان الإسرائيلي حملة مماثلة من "الأرض المحروقة" في جنوب لبنان، منذ أكتوبر 2024، صعّدت القوات الإسرائيلية عملياتها العسكرية في المناطق القريبة من الحدود، مستهدفةً بشكل خاص القرى التي يُشتبه في احتوائها على مقاتلي حزب الله، ودُمرت ثلاث بلدات لبنانية - عيتا الشعب، وراميا، ومحيبيب - في هذه العمليات، مع ظهور صور الأقمار الصناعية التي تكشف عن دمار واسع في المباني السكنية والبنية التحتية.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية ومصادر إقليمية أخرى بأنه بحلول نهاية أكتوبر، كان حوالي ربع جميع المباني في هذه المناطق قد تعرضت لأضرار أو دُمرت بالكامل، وأصرت حكومة الكيان الإسرائيلي، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على أن حربها ليست مع الشعب اللبناني بل مع حزب الله، لكن، كما تظهر صور المدن المدمرة، فقد امتد تأثير هذه الحملة إلى ما يتجاوز الأهداف العسكرية، حيث يعاني المدنيون في جنوب لبنان مرة أخرى من التهجير والدمار، دون معرفة ما إذا كانوا سيتمكنون من العودة إلى منازلهم عند انتهاء النزاع.
حملة "منهجية": تداعيات إستراتيجية الكيان الإسرائيلي
إن نهج "الأرض المحروقة" الذي يتبعه الكيان الإسرائيلي ليس جديدًا، لكن حجم ومدى العمليات الحالية في غزة ولبنان يعكس إستراتيجية منهجية لإعادة تشكيل الواقع السياسي والديموغرافي على الأرض.
الدمار الذي لحق بالمراكز الحضرية واستهداف البنية التحتية المدنية يشير إلى محاولة متعمدة لخلق ظروف تجعل من الصعب على المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين العيش بالقرب من حدود الكيان على المدى الطويل.
يرى الخبراء أن هذا النهج قد يهدف إلى تحقيق أهداف متعددة: إضعاف جماعات المقاومة المحلية مثل حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وتثبيط المدنيين عن البقاء في مناطق النزاع، وإرسال رسالة إلى الدول المجاورة بأن الكيان الإسرائيلي مستعد لاستخدام القوة المفرطة لتأمين حدوده، إلا أن المنتقدين يحذرون من أن هذه التكتيكات قد تأتي بنتائج عكسية، إذ إنها قد تؤجج مشاعر السخط وتشجع على تصاعد التطرف مع تعرّض أجيال من الفلسطينيين واللبنانيين للتهجير والحرمان.
استنكار دولي ودعوات للمحاسبة
كان رد الفعل الدولي على العنف عالي النبرة لكنه غير فعال بشكل كبير في تغيير الوضع على الأرض، فقد وثّقت عشرات منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك الأمم المتحدة والصليب الأحمر، جرائم حرب مزعومة وانتهاكات للقانون الإنساني الدولي من قبل قوات الكيان الإسرائيلي، وقد أصدر الاتحاد الأوروبي، إلى جانب العديد من دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، بيانات تدين الهجمات وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.
أما في الولايات المتحدة، فيظل الدعم للكيان الإسرائيلي قويًا، حيث يتواصل تقديم مساعدات مالية وعسكرية ضخمة، وقد كان هذا الدعم حاسمًا في تمكين الحملة العسكرية الممتدة، حيث تستخدم القنابل والطائرات الأمريكية بشكل كبير في الهجمات المستمرة، ورغم معارضة داخلية من بعض المشرعين الأمريكيين والجماعات الناشطة، تواصل إدارة بايدن تقديم الدعم الدبلوماسي والمادي للكيان الإسرائيلي، ناظرةً إلى الصراع من زاوية مكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي.
إعادة الإعمار يحتاج أكثر من عقد من الزمن
الوضع الإنساني والسياسي الحالي في غزة ولبنان قاتم، لكن الجهود الدولية مستمرة للضغط من أجل حل، حتى لو تم التوصل إلى وقف إطلاق النار غدًا، قد تستغرق عملية إعادة الإعمار في غزة وحدها أكثر من عقد، بالنظر إلى حجم الدمار، ويتطلب ترميم المساكن، وأنظمة المياه، وشبكات الطاقة، والخدمات الأساسية موارد كبيرة، ومن المتوقع أن تكون تكلفة إعادة الإعمار هائلة. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب التأثير النفسي على المدنيين الذين عانوا من القصف والنزوح وفقدان أحبائهم دعمًا كبيرًا وإعادة تأهيل.
في لبنان، الشاغل الفوري هو توفير المأوى والمساعدة للذين نزحوا بسبب القصف الأخير، ومع تصاعد الصراع، يواجه المدنيون اللبنانيون مخاطر متزايدة، بينما يعيق وجود حزب الله الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى هدنة، ويحذر المحللون من أنه دون خطة سلام شاملة تعالج المظالم الفلسطينية واللبنانية، قد تستمر دوامة العنف، حيث يكون المدنيون الضحية الأولى للنزاع.
يبرز الدمار الذي تعرضت له غزة وجنوب لبنان على مدى العام الماضي العواقب الإنسانية الجسيمة للصراع المطول والحاجة الملحة إلى حل مستدام، وفي ظل دفع الحملات العسكرية للكيان الإسرائيلي المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين إلى مزيد من اليأس، يتعين على المجتمع الدولي العمل من أجل تدخل فعّال، حيث إن معالجة جذور الصراع وتعزيز الحوار قد يكونان السبيل الوحيد لإنهاء معاناة المتأثرين بالنزاع وبناء أساس للسلام الدائم في المنطقة.
رقم: 1171895