شبكات الظل: كيف تعيد هيئة تحرير الشام تشكيل المشهد الطائفي في المنطقة؟
بقلم: حسين حسن مرتضى
إسلام تايمز , 1 شباط 2025 09:07
إسلام تايمز (سوريا) - في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، برزت جماعة "هيئة تحرير الشام" كفاعل رئيسي في المشهد السياسي والأمني، ليس فقط في سوريا، بل أيضًا في دول الجوار. ما بدأ كتنظيم محلي يسيطر على أجزاء من شمال غرب سوريا، تحول إلى كيان ذي نفوذ إقليمي، يعتمد على شبكات معقدة من العلاقات والتحالفات، ويستغل التعاطف الطائفي لتعزيز وجوده وتوسيع نطاق عملياته.
التعاطف الطائفي: البوابة الذهبية للتوسع
تشير مصادر سورية وعراقية موثوقة إلى أن جماعة "هيئة تحرير الشام"، التي يقودها أبو محمد الجولاني، نجحت في كسب تعاطف قوي بين طائفة السنة في لبنان والعراق واليمن، وكذلك بين اللاجئين السوريين المنتشرين في دول مثل لبنان والأردن والعراق ومصر. هذا التعاطف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج سنوات من الخطاب الطائفي الذي روجت له الجماعة، مدعية أنها المدافع الوحيد عن السنة في مواجهة ما تصفه بـ"التهديد الشيعي" المتمثل في إيران وحلفائها.
في لبنان، حيث التوترات الطائفية تتصاعد بين الحين والآخر، وجدت هيئة تحرير الشام أرضًا خصبة لنشر أفكارها. ففي المناطق السنية، خاصة في شمال لبنان ومدينة طرابلس، بدأت الجماعة ببناء شبكات سرية تعتمد على عناصر محلية متطرفة، مستغلة حالة الإحباط والغضب من الوضع الاقتصادي والسياسي المتردي.
أما في العراق، حيث لا تزال جراح الحرب الأهلية مفتوحة، فقد نجحت الجماعة في تجنيد عناصر من المناطق السنية، خاصة في محافظات الأنبار وصلاح الدين، مستغلة حالة الاستياء من الهيمنة الشيعية على مقاليد الحكم.
وفي اليمن، حيث الحرب مستمرة منذ سنوات، بدأت هيئة تحرير الشام بمد جسور التعاون مع بعض الفصائل السنية، مستغلة الفراغ الأمني والسياسي لتعزيز وجودها.
اللاجئون السوريون: وقود جديد للصراع
لا تقتصر جهود هيئة تحرير الشام على تجنيد المتطرفين من الدول المجاورة، بل تمتد إلى مخيمات اللاجئين السوريين، حيث تعيش مئات الآلاف من العائلات في ظروف مأساوية. في لبنان، حيث يعيش أكثر من مليون لاجئ سوري، بدأت الجماعة باختراق المخيمات، مستغلة حالة اليأس والفقر التي يعيشها اللاجئون.
تقول مصادر سورية إن الجماعة تعمل على تجنيد الشباب السوريين في المخيمات، مستخدمة أساليب الإغراء المادي والوعود بحياة أفضل، بالإضافة إلى الخطاب الديني الذي يصور الجماعة على أنها المدافع الوحيد عن حقوق السنة.
المخابرات العامة: جهاز الظل الذي يدير العمليات
في السنوات الأخيرة، طورت هيئة تحرير الشام جهازًا أمنيًا متطورًا أطلقت عليه اسم "الامن العام". بقيادة انس خطاب و هذا الجهاز، الذي يديره عناصر محنكون، يعمل على توسيع نطاق عمليات الجماعة خارج سوريا منذ سنوات لكنه الان اصبح جهازا رسميا واندمج في تعاون مع جهات دولية تحت مسمى المخابرات العامة، مستفيدًا من الدعم القطري والتعاون الوثيق مع أطراف دولية مثل البريطانيين والأمريكيين والأتراك.
وفقًا لمصادر عراقية، فإن المخابرات العامة التابعة للجماعة لديها شبكات قوية في لبنان والعراق، تعمل على تجنيد المتطرفين وتوجيههم لتنفيذ عمليات تستهدف حلفاء إيران.
كما تعمل هذه الشبكات على جمع المعلومات الاستخباراتية ونقلها إلى قيادة الجماعة في سوريا.
الدعم القطري والدولي: لعبة المصالح المتشابكة
تشير تقارير إلى أن قطر تلعب دورًا رئيسيًا في دعم هيئة تحرير الشام، سواء من خلال التمويل أو الدعم اللوجستي. كما أن التعاون الوثيق مع البريطانيين والأمريكيين والأتراك يمنح الجماعة غطاءً دوليًا يسمح لها بالتحرك بحرية أكبر.
هذا الدعم ليس مجرد تعاطف مع قضية الجماعة، بل هو جزء من لعبة مصالح متشابكة، حيث تسعى هذه الدول إلى استخدام الجماعة كأداة لتحقيق أهدافها في المنطقة، خاصة في مواجهة النفوذ الإيراني.
مستقبل الجماعة: بين التوسع والمواجهة
في ظل هذا التوسع الكبير، تبرز تساؤلات حول مستقبل هيئة تحرير الشام. هل ستتحول إلى تنظيم استخباري يخدم دول الاستبداد العالمي، أم أنها ستظل محصورة في نطاق محلي؟
ما هو مؤكد أن الجماعة، بفضل شبكاتها القوية والدعم الذي تتلقاه، ستظل لاعبًا رئيسيًا في المشهد السياسي والأمني في المنطقة. لكن هذا التوسع لن يمر دون مواجهات، خاصة مع القوى الإقليمية التي ترى في الجماعة تهديدًا مباشرًا لمصالحها.
في عالم تتشابك فيه المصالح وتتصارع الأجندات، تبرز هيئة تحرير الشام كواحدة من أكثر التنظيمات تعقيدًا وتأثيرًا. بفضل تعاطف طائفي مدروس ودعم دولي مريب، تمكنت الجماعة من توسيع نطاق عملياتها، مستغلة حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة. لكن السؤال الأكبر يظل: إلى أين ستقود هذه اللعبة الخطيرة؟
*حسين مرتضى*
كاتب وصحفي متخصص في الشؤون الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط.
رقم: 1187945