أطفال غزة..سطوة الموت جوعاً تلاحق آلالاف الأطفال
موقع الوقت , 20 آذار 2024 10:30
اسلام تايمز (فلسطين) - مع مرور نحو ستة أشهر على صمت مطبق من العالم على جرائم الاحتلال الصهيوني بات شبح الموت يتربص بأطفال غزة الذين باتوا يتحولون إلى هياكل عظمية نتيجة تفاقمت أزمة سوء التغذية بينهم بسبب الجوع ومنع كيان الاحتلال الصهيوني دخول أي مساعدات إنسانية إلى القطاع.
وفي هذا السياق حذرت مؤسسات الدولية، بما فيها منظمة اليونيسيف، من مستوى الجوع غير المسبوق بين سكان غزة، وأعلنت أن واحدا من كل ثلاثة أطفال دون سن الثانية في شمال هذه المنطقة يعاني من سوء تغذية حاد وتحول إلى جلد وهيكل عظمي بسبب شدة الجوع.
من جهته، وصف الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر جاغان تشاباغين الوضع الإنساني في غزة بأنه "يتجاوز الكارثي".
وأضاف إن "المدنيين يواجهون مستوى غير مسبوق من الإهانة والبؤس والمعاناة" مشيرا إلى أن "الوضع الصحي على شفا الانهيار مع مواجهة المستشفيات ظروفا يائسة".
وأكد أن "أزمة الغذاء المتصاعدة تتفاقم في وضع بالغ الخطورة مع بدء شهر رمضان، وأن عددا لا يحصى من الناس ليس لديهم ما يفطرون عليه"، وقال إن "المدنيين يواجهون مستوى غير مسبوق من الإهانة والبؤس والمعاناة بغزة".
فيما تشير التقارير الواردة من شمال غزة إلى أنه في هذه الأيام لا يمكن العثور حتى على علبة من الحليب المجفف للأطفال، وخاصة الأطفال المبتسرين، كما لا يمكن العثور على المستشفيات في شمال غزة، ويقدم القطاع بشكل مستمر تقارير عن وفيات أطفال رضع بسبب الجوع والعطش، والحقيقة أن الأطفال والجياع في غزة، وخاصة في المناطق الشمالية، يتعرضون للقتل الممنهج بسبب الجوع.
هياكل عظمية متحركة
حسب بيان لليونيسف إن سوء التغذية بين الأطفال في غزة ينتشر كالهشيم وبسبب التأثير واسع النطاق للحرب والقيود المستمرة على إرسال المساعدات إلى قطاع غزة، وصلت مستويات التغذية في قطاع غزة و خصوصاً بين الأطفال إلى حدود مدمرة وغير مسبوقة، وحسب هذا البيان، في شمال قطاع غزة فقط، فقد ما لا يقل عن 23 طفلاً في الأسابيع الأخيرة حياتهم بسبب سوء التغذية والجفاف، وتظهر نتائج البحث الذي أجرته اليونيسف والمنظمات التابعة لها في شمال غزة في شهر فبراير أن 4.5% من الأطفال فقدوا لحومهم ودهونهم بالكامل وتحولوا إلى هياكل عظمية، ويعانون من أسوأ أشكال سوء التغذية، وهم معرضون لخطر الموت الحقيقي، وشدد البيان على أن معدل انتشار سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة في شمال غزة ارتفع من 13 إلى 25 بالمئة.
ومن جهتها أعلنت “كاثرين راسل”، المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف، أن سوء التغذية ينتشر بشكل صورة صادمة وفظيعة للغاية؛ و الأمر المثير للحزن أن تكون المساعدات الإنسانية على بعد بضعة كيلومترات فقط من هذه المنطقة ولكن لا يمكن الدخول إليها، مؤكدة القيام بمحاولات عدة لتقديم المزيد من المساعدات المطالبة مرارا وتكرارا بحل تحديات إدخال المساعدات إلى غزة، ولكن دون جدوى.
من بطون أمهاتهم إلى أكياس الجثث
أصبح مشهد رؤية أطفال يولدون موتى نتيجة الجفاف الذي تعانيه أمهاتهم أمراً منتشراً بين الحوامل في غزة.
وقال دومينيك ألن مسؤول الأراضي الفلسطينية في صندوق الأمم المتحدة للسكان في مؤتمر صحفي عبر الفيديو من القدس: "شخصيا، غادرت غزة هذا الأسبوع وقد انتابني الخوف على مليون امرأة وفتاة في غزة، وعلى 650 ألفا (من الإناث) في سن الإنجاب، وخصوصا على 180 امرأة يلدن كل يوم".
وتمكن آلن من زيارة مستشفيات لا تزال تقدم خدمات لرعاية الأمهات في شمال قطاع غزة، حيث استشهد أكثر من 31 ألف شخص منذ بدء الهجوم الإسرائيلي، حسب وزارة الصحة في غزة.
وأضاف متحدثا عن نساء حوامل أرهقهن الخوف والتنقل مرارا (من مكان إلى آخر) والجوع والجفاف.
وتابع ألن: "حري بهذه الأمهات أن يحضنّ أطفالهن بين أذرعهن، وليس في أكياس الجثث.
وأشار أيضا إلى الافتقار لوسائل التخدير التي تحتاج إليها الحوامل ممن يخضعن لولادة قيصرية، منددا برفض السلطات الإسرائيلية السماح بمرور شحنات مساعدة تابعة لبرنامج الأمم المتحدة للسكان.
وقال أيضا: "إذا أمكنني رسم لوحة عما شاهدت وشعرت به وسمعت خلال وجودي في غزة (فسأعبّر) عن أنه كابوس أكبر من أزمة إنسانية، إنها أزمة للإنسانية، (الواقع) أسوأ مما أستطيع وصفه، مما تظهره الصور، مما يمكنكم تصوره".
وأضاف: "ما رأيته (خلال الانتقال إلى شمال قطاع غزة) حطم قلبي"، مشيرا إلى "مشاعر لا يمكن وصفها" في عيون السكان، وتابع واضعا يديه على فمه: "جميع من شاهدناهم أو من تحدثنا إليهم كانوا هزيلين وجائعين، ويقومون جميعا بهذه الحركة طلبا للطعام".
وروى ألن أيضا عبوره نقطة تفتيش عسكرية، "حيث كان طفلا ربما في الخامسة من عمره يسير خائفا، رافعا يديه في الهواء، في حين شقيقته تسير خلفه حاملة راية بيضاء".
وفي سياق متصل وقال الممرض أحمد سالم الذي يعمل في وحدة العناية المركزة بمستشفى كمال عدوان إن أحد عوامل ارتفاع عدد وفيات الأطفال هناك هو أن الأمهات الجدد يعانين من سوء التغذية.
آثار دائمة لأجيال!
من المتوقع أن تلقي المجاعة التي تضرب قطاع غزة بتداعيات طبية جسيمة قصيرة وبعيدة المدى، وخاصة على الفئات الهشة كالأطفال وكبار السن والمواليد الجدد والنساء الحوامل، فقد بات الجوع سلاحا يستخدمه الاحتلال للفتك بالغزيين كعقاب جماعي.
في العادة يعرّض نقص الغذاء، وتحديداً الحاد كما الحال في قطاع غزة، الأطفال إلى الإصابة بأمراض عدة أبرزها الجفاف والضعف الجسدي وغياب الوعي وعدم القدرة على القيام بالأعمال اليومية الروتينية، ويعد سوء التغذية أحد أبرز العوامل التي تتسبب في حدوث وفيات، وخاصة أنه يصعب أن يقاوم الأطفال الأمراض العادية، ويمكن أن يجعل نقص الغذاء أجساد الأطفال تحديداً أكثر عرضة للأمراض من جهة، ومن جهة ثانية أقل مقاومة للأمراض مثل الإسهال.
كما أن نقص الغذاء والإصابة بسوء التغذية قد يؤثران على نمو الأطفال، والدليل على ذلك حالات التقزم التي أصابت الكثير من الأطفال في مناطق النزاعات وبينها اليمن بسبب هذا الأمر، كما يمكن أن يؤدي سوء التغذية إلى حصول نوع من الهزال، وفي هذه الحالة لا يتناسب وزن الطفل وكتلة عضلاته مع طوله نتيجة سوء التغذية الحاد، ما يضرّ بنموه البدني والمعرفي.
وفي هذا الشأن خلص باحثون من جامعة كاليفورنيا في بيركلي مؤخرا إلى أن الأشخاص الذين ولدوا خلال المجاعة الصينية الكبرى قبل أكثر من 60 عاما، وأبناءهم وأحفادهم، لديهم معدلات أعلى بكثير من مرض السل، "ما يشير إلى تأثير غير معترف به سابقا بين الأجيال للتعرض للمجاعة قبل الولادة وفي بداية الحياة".
منذ 2004، أصبح للمجاعة تعريف رسمي، فهي تحدث عندما يواجه ما لا يقل عن 20 بالمئة من السكان نقصا حادا في الغذاء، وتتجاوز معدلات سوء التغذية الحاد 30 بالمئة، ويموت اثنان من كل 1000 شخص بسبب الجوع يوميا.
وبذلك التعريف ليس من المنطقي التركيز على أن أزمة غزة لم تصل بعد إلى أعلى تصنيف ممكن من المجاعة فما يعيشه أطفال غزة وأهلها يصل إلى أعلى مستويات المجاعة في العالم.
رقم: 1123743