الملاحة البحرية تضع الاقتصاد العالمي أمام تحديات
موقع الوقت , 16 آذار 2024 08:35
اسلام تايمز (اليمن) - منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة وتفعيل جبهات الإسناد في لبنان والعراق واليمن، برزت صنعاء كجبهة فاعلة ومؤثرة بعد أن بات البحر الأحمر نقطة ارتكاز ذلك الإسناد وبرز موضوع الملاحة البحرية والبحث عن بدائل للبحر الأحمر الذي ترك تداعياته على التجارة الدولية وأحدث صدمة هزت الهيمنة الأمريكية ومن خلفها الغربية واقتصاداتها ولا سيما أنها داعمة للكيان الغاصب، وأعلنت صنعاء أن كل ما يرتبط بالكيان مستهدف ما عدا ذلك يبقى آمناً، ويفرض تغيير طرق الملاحة البحرية واقعاً اقتصادياً مغايراً للسائد نظراً لارتفاع التكاليف وطول مدة الوصول.
ونتيجة للتوتر السياسي والعسكري المستمر في باب المندب والبحر الأحمر تأثر نشاط الموانئ في البحر الأبيض المتوسط الأمر الذي انعكس إيجابا على عدد من الموانئ الأفريقية وجعلها تنتعش، وقد تتعود سفن الشحن الدولي وخاصة العملاقة منها على الطريق الجديد ما سينعكس سلبا على اقتصاديات دول، ومنها مصر، بسبب تراجع الإقبال على قناة السويس، ويبقى المغرب أكبر المستفيدين.
فمنذ بداية الحرب الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول على قطاع غزة استهدفت حركة أنصار الله السفن الإسرائيلية وتعهدت الحركة بعدم وقف الهجمات حتى إعلان كيان الاحتلال وقف الإبادة ضد الفلسطينيين، وتطور الأمر إلى الهجوم على السفن التي تقصد الموانئ الإسرائيلية، وانتهى إلى مواجهة مع القوات العسكرية الغربية سواء التي تتولاها القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية تحت اسم “حارس الازدهار” أو مهمة الاتحاد الأوروبي بعنوان “أسبيديس”.
وتفضل شركات الشحن الدولي تغيير مسار الطريق البحري لسفنها خوفا من ضربات أنصار الله، ولا سيما أمام معطيين رئيسيين أفرزتهما المواجهة في البحر الأحمر، وهما: قدرة أنصار الله على إغراق سفن كبيرة، وفشل القوات الغربية في القضاء على هجمات الحركة.
ونتيجة لهذا الوضع قررت شركات الشحن البحري الدولية تغيير مسار السفن من البحر الأحمر إلى الطريق البحري الذي يمر عبر جنوب إفريقيا، وهو الطريق الكلاسيكي قبل فتح قناة السويس، ما أدى إلى انتعاش الموانئ الإفريقية وتراجع الموانئ المتوسطية.
وحسب خبراء فإن نشاط الموانئ في البحر المتوسط كمحطة توقف قد تراجع خلال شهر كانون الثاني الماضي بنسبة 51% بالنسبة لميناء بور سعيد المصري، و23% في حالة ميناء مارسيليا، و72% لميناء ميرسين التركي، و51% لميناء بيري اليوناني، وهذه موانئ تقدم خدمات للسفن وخاصة التي تتوجه من آسيا نحو شمال أوروبا وأمريكا اللاتينية، ولم تتأثر كثيرا موانئ اسبانيا مثل برشلونة أو الميناء المتوسطي في طنجة المغربية، بسبب ارتباط هذه الموانئ بمعبر مضيق جبل طارق، بل يعتبر الميناء المغربي من الموانئ الأكثر استفادة من الأزمة الحالية بسبب موقعه الجغرافي، كما أصبحت موانئ إفريقية مثل بورت لويس في جزر الموريس، ووالفيس باي في ناميبيا، وبعض موانئ نيجيريا نقاط توقف رئيسية للسفن.
ومن دون شك، ستكون الأرقام مقلقة في التراجع لكل موانئ وسط وشرق المتوسط بسبب استمرار المناوشات الحربية في البحر الأحمر.
فنحو 12 بالمئة من التجارة العالمية تتم عبر قناة السويس، وتعبر القناة أكثر من 50 سفينة يوميا، تحمل قرابة 10 مليارات دولار من البضائع إلى شمال أوروبا والبحر المتوسط والسواحل الشرقية لأمريكا الشمالية وستكون خسائر مصر كبيرة بسبب تراجع عائدات قناة السويس، ثم الكساد في تراجع الطلب على خدمات ميناء بورسعيد، وفي المقابل، سيعمل الميناء المتوسطي في طنجة بكل طاقته للتأقلم مع ارتفاع الطلب عليه.
ووفقا لمعلومات من إحدى شركات تحليل البيانات في بريطانيا، فإن 8.2 ملايين برميل من الخام والمشتقات النفطة يوميا معرضة للخطر بسبب التوتر في البحر الأحمر، وجزء بسيط من هذه الكمية يمكن تغيير مسارها إلى مسار غير باب المندب.
وتعادل هذه الكمية (8.2 ملايين برميل) حوالي 10 بالمئة من تجارة النفط العالمية المنقولة بحرا.
تشمل الإمدادات الأكثر عرضة لخطر الانقطاع فيما يتعلق بالنفط ومنتجاته أثناء العبور من البحر الأحمر المنتجات البترولية المقطرة مثل الإيثانول.
وتشكل هذه المنتجات 10.5 بالمئة من المعروض العالمي، استنادا إلى بيانات 2023.
فيما يمثل النفط الخام المتجه من الشرق الأوسط إلى أوروبا والبحر المتوسط عبر مضيق باب المندب/ السويس 2.2 بالمئة من تجارة النفط الخام العالمية.
وفي حين أن أكبر تدفق من البحر الأحمر من حيث الحجم يشمل النفط الخام الروسي المتجه شرقا، فإن أوروبا هي الأكثر عرضة للاضطرابات في سلسلة التوريد.
وبسبب عدم وجود مصدر بديل لاستيراد أوروبا 1.1 مليون برميل من منتجات الديزل ووقود الطائرات/ الكيروسين الموردة عبر هذا المسار، فإن انقطاع التوريد من مسار البحر الأحمر يشكل خطرا على الإمدادات الأوروبية.
وهناك تخوف من تغيير سيستمر طويلا في الملاحة التجارية، ولعل الضربة الموجعة هي الشركة الصينية كوسكو، التي قررت جعل ميناء البلجيكي زيبروغ أحد المراكز الرئيسية للتوزيع برا وبحرا بما في ذلك نحو مدن البحر الأبيض المتوسط، بمعنى أن السفن ستبحر عبر جنوب القارة الإفريقية نحو هذا الميناء ويتم التوزيع انطلاقا منه، وستقلل كثيرا من الاعتماد على الموانئ المتوسطية وخاصة شرق هذا البحر.
بدوره قال جاي مارو كبير محللي النفط الخام في شركة Vortexa Middle East، إن مسار المنتجات البترولية (المقطرة) من الشرق الأوسط وآسيا إلى أوروبا يمكن تغييره إلى رأس الرجاء الصالح بدلا من قناة السويس.
لكن هناك رأي آخر للمحلل مارو في هذا الخصوص لا ينطبق على النفط الروسي، حيث إن معظم تدفق النفط من البحر الأحمر باتجاه الجنوب يأتي من روسيا، وفق مارو، ومن غير المرجح أن يتم تحويل هذا التدفق مقارنة بالسفن الأوروبية والأمريكية.
تعد أوروبا المنطقة الأكثر هشاشة من حيث واردات وقود الطائرات وقد تواجه مخاطر في إمدادات الديزل، حسب مارو.
"لأن أوروبا ليس لديها مصادر أخرى يمكن أن تجد فيها منتجات بالحجم الذي تستورده من الشرق الأوسط وآسيا، وفي حال حدوث تغيير كبير في مسار إمدادات الطائرات والديزل القادمة من الشرق الأوسط وآسيا، فقد ترتفع أسعار هذه المنتجات في أوروبا".
ومن السابق لأوانه وفق مارو القول ما إذا كانت التوترات ستتصاعد، "ففي الوقت الحالي، نشهد تأثيرًا محدودًا على تدفق النفط وإعادة توجيه الناقلات، لكن الأمور قد تتغير بسرعة كبيرة".
رقم: 1122879