QR CodeQR Code

کواليس استقالة محمد اشتية... ما هي الطبخة العربية-الغربية لقطاع غزة؟

موقع الوقت , 2 آذار 2024 10:03

اسلام تايمز (فلسطين) - التصريحات والادعاءات حول مستقبل غزة بعد الحرب، من المواضيع التي تطرح أكثر فأكثر هذه الأيام، مع تكثيف التحركات الدولية لوقف الحرب من قبل الجهات المؤثرة في التطورات، ويتم ذكر وجهات نظر مختلفة أيضًا.


وعلى الرغم من أن الوضع الكارثي لشعب غزة، حيث ينتظر مئات الآلاف من الناس المساعدات الغذائية والصحية، يتطلب من المجتمع الدولي وضع حد لهذه الحرب الظالمة أولاً، ولكن يبدو أن التغييرات السياسية لها الأولوية لأمريكا وحلفائها العرب.

في هذه الأثناء، أحد الأحداث التي يبدو أن لها علاقة مباشرة بالخطط الغربية العربية لمستقبل غزة بعد الحرب، كان استقالة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية والحكومة في الأيام الأخيرة.

حيث أعلن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية استقالة حكومته يوم الإثنين الماضي، في خطوة أولى في عملية الإصلاح التي ركزت عليها الولايات المتحدة كجزء من أحدث خططها الطموحة لحل القضية الفلسطينية.

وقال اشتية في كلمة حول ذلك: "قدمت استقالة الحكومة إلى محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، ورغم الحصار غير المسبوق المفروض علينا، إلا أننا نبقى أوفياء للشهداء والأسرى، لأهلنا في قطاع غزة، للمشروع الوطني الفلسطيني، للقدس، لمقدساتنا وأبطالنا، وستواصل منظمة السلطة الفلسطينية النضال من أجل إقامة دولة فلسطينية".

وأضاف: "لقد واجهنا تحديات، ولم يكن أي منها من صنعنا، وتحملنا الكثير من المصاعب لأن فلسطين كانت تستحق هذه المصاعب. وأعتقد أن المرحلة المقبلة وتحدياتها تتطلب ترتيبات وإجراءات حكومية وسياسية جديدة، کما أن الواقع الجديد في غزة يتطلب توسيع منظمة السلطة الفلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية".

وقبل محمود عباس على الفور استقالة حكومة اشتية، وجعل رئيس الوزراء المستقيل مسؤولاً مؤقتاً عن تصريف الأعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة، ونشرت أسماء مختلفة لخلافة اشتية، من بينها ناصر القدوة، وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق، وسلام فياض رئيس وزراء فلسطين الأسبق، لكن الاحتمالات تشير إلى أن الأقرب إلى هذا المنصب هو محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني.

وبما أن التغييرات السياسية في جسم المنظمة تمت بضغط من الولايات المتحدة، فقد اعتبرتها إدارة جو بايدن فأل خير، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر: إننا نرحب باستقالة حكومة السلطة الفلسطينية، ونعتبرها خطوةً إيجابيةً نحو إصلاحها وتحديثها.

وأشار ميلر إلى أن "أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، خلال التشاور مع محمود عباس، شجّع هذه المنظمة على اتخاذ مثل هذه الإجراءات، ونعتقد أن مثل هذه الإجراءات إيجابية، وهذه خطوة مهمة نحو تحقيق إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت قيادة منظمة السلطة الفلسطينية".

وعلى عكس الأمريكيين الذين يعتبرون استقالة حكومة اشتية مؤثرةً بالنسبة للمستقبل السياسي لفلسطين، إلا أن فصائل المقاومة ليس لديها مثل هذا الرأي، وقال سامي أبو زهري المسؤول الكبير في حماس في تصريح لرويترز، إن استقالة حكومة اشتية لا معنى لها إلا إذا كانت في إطار التوافق الوطني على ترتيبات المرحلة المقبلة.

كما أكد مصدر مطلع مقرب من حماس لقناة "العربية"، عدم إجراء أي محادثات رسمية مع حركة فتح حول الحكومة المقبلة، وقال: "الأولوية الحالية هي وقف الحرب وسحب القوات الإسرائيلية من غزة وتقديم المساعدات للشعب، وبعد ذلك يمكن الحديث عن حكومة الوفاق الوطني التي ستتولى إعادة الإعمار وإدارة شؤون الشعب خلال الفترة الانتقالية، وحتى إجراء الانتخابات".

تظهر هذه التصريحات لمسؤولي حماس أن استقالة حكومة السلطة الفلسطينية هي جزء من خطة تسعى إلى مشاركة حماس أو دمجها في حكومة السلطة الفلسطينية، وقد انتشرت هذه الخطة باسم حكومة تكنوقراط في وسائل الإعلام هذه الأيام.

مبادرة حكومة تكنوقراط

إن جزءاً من المبادرة العربية الغربية لمستقبل فلسطين السياسي هو تشكيل حكومة تكنوقراط، أي وزراء خبراء لتولي فترة ما بعد الحرب وتولي المسؤولية، حتى يتم تحديد موعد رسمي لإجراء انتخابات جديدة.

وحسب تقرير "العالم" فإن "هناك حديث غير رسمي في وسائل الإعلام عن سير المفاوضات وإمكانية تشكيل حكومة فلسطينية تكنوقراط، وهو ما يظهر أنها قد تكون خطوةً نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار، لكنها حتى الآن مجرد أخبار مسربة ولا أحد يعرف المعلومات الرسمية، والناس ينشرونها على نطاق واسع".

كما تظهر مواقف الطرفين أنه حتى بين فتح وحماس لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل مثل هذه الحكومة، كما أن معايير الجانبين لا تتطابق مع بعضها البعض، حيث تريد فتح تولي السيطرة السياسية والأمنية على غزة في أسرع وقت ممكن، ولا تعير أي اهتمام للوضع الكارثي الذي يعيشه هذا القطاع، لکن حماس تعطي الأولوية لوقف الحرب وإعادة بناء غزة، ولا تركز على حكومة التكنوقراط.

وإلى جانب التحركات الدولية، عقدت لقاءات بين الفصائل الفلسطينية خارج فلسطين وداخلها، من أجل التوصل إلى توافق حول الحكومة المقبلة، وفي هذا الصدد، من المقرر أن تناقش مجموعات فلسطينية، من بينها وفد يمثّل حركة فتح ووفد آخر يمثّل حركة حماس، يوم 29 فبراير الجاري في العاصمة الروسية موسكو.

وقدمت إدارة بايدن، خلال الأشهر الأخيرة، العديد من المقترحات لتسليم إدارة غزة إلى منظمة السلطة الفلسطينية، لكنها تختلف مع السلطات الصهيونية، ولم تتمكن من التوصل إلى نقطة مشتركة في هذا الصدد.

وقال جلال بنا، محلل الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، في تصريح لشبكة الحرة: إن "استقالة الحكومة الفلسطينية ترتبط بشكل مباشر برغبة الحكومة الأمريكية في أن تثبت لإسرائيل وشركائها الآخرين، أن هناك تغييراً في صفوف القيادة الفلسطينية يمكن أن يكون شريكاً محتملاً في عملية التسوية".

لقد تكثفت الدعوات الدولية والإقليمية لإقامة دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين الهادف إلى إنهاء الصراع المستمر منذ 75 عاماً، ويأملون أن يتمكنوا من تحقيق ذلك من خلال وقف الحرب في غزة، لكن الکيان الصهيوني قاوم تاريخياً فكرة الدولة الفلسطينية الأحادية الجانب.

وفي التصويت البرلماني الأخير، رفضت الأغلبية الساحقة من أعضاء الكنيست الإسرائيلي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد صرح نتنياهو نفسه مراراً وتكراراً أنه لن يسمح بتشكيل حكومة فلسطينية.

ويبدو أن عباس يريد أن يظهر للعالم أنه مستعد لإجراء بعض التغييرات من أجل تولي زمام الأمور في غزة والضفة الغربية من خلال استقالة حكومة اشتية، لكن المشكلة الأساسية، حسب الفلسطينيين والخبراء، هي عباس نفسه، الذي لم يتخذ أي إجراء لاستعادة حقوق الفلسطينيين منذ عام 2004، حين جلس على كرسي رئاسة المنظمة.

ورغم مساعي واشنطن لضخ دماء جديدة في عروق المنظمة، إلا أن هذه المنظمة أصبحت ضعيفةً جداً مع مرور السنين وأنفاسها معدودة، وتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبية عباس بين الفلسطينيين.

لكن البيت الأبيض وبعض الدول العربية يحاولون ترسيخها كحكومة معينة من قبلهم في غزة من خلال تعزيزها، ويقول القادة الفلسطينيون إن قدرة المنظمة تعطلت بسبب اعتمادها المالي على الکيان الصهيوني، ولا تستطيع حتى دفع رواتب موظفيها.

ولذلك، فإن استقالة حكومة اشتية بهدف تنفيذ الإصلاحات الظاهرية، لن تحدث أي تغيير في فلسطين، لأن الحكومة المقبلة ستقام بقرار أمريكي وصهيوني، ولن يتم سوی تغيير الأدوات، وستبقى رقعة الشطرنج كما كانت من قبل.

إن التغيير الحقيقي في الأرض الفلسطينية لن يتحقق إلا إذا وضعت الحكومة الفلسطينية أهداف حركات التحرر ضمن أولوياتها، لقد جاءت ورحلت حكومات مختلفة في الضفة الغربية خلال العقدين الأخيرين، لكن لم يحقق أي منها أدنى نجاح في إعمال حقوق الفلسطينيين في اتفاق "أوسلو"، بل استولى الصهاينة على المزيد من الأراضي عبر المستوطنات، وتعرض أداؤها لانتقادات شديدة من قبل الشعب الفلسطيني، بسبب الفساد والتعاون الأمني ​​مع الصهاينة وقمع قوى المقاومة.

تكنوقراط كلمة السر لحذف حماس

على الرغم من الموقف المعارض للکيان الصهيوني، تسعى الولايات المتحدة إلى توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حكم سلطة جديدة ومعدلة بعد انتهاء الصراع.

وبينما تسعى أمريكا إلى فرض منظمة السلطة الفلسطينية على أهل غزة، ولکن في الانتخابات المحلية عام 2007 صوّت الشعب لصالح حماس وطردوا هذه المنظمة من غزة، والآن هم ضد عودتها إلى قطاع غزة.

في الأشهر الأخيرة، توصلت الولايات المتحدة والکيان الصهيوني إلى تقييم، مفاده بأنه طالما أن فصائل المقاومة موجودة في غزة وتسعى إلى تحرير الأراضي المحتلة بالكفاح المسلح، فإن أمن المستوطنين لن يكون أكثر من مجرد حلم.

ولذلك، من خلال المبادرات السياسية والمطالبة بتشكيل حكومة مستقلة مكونة من كل الفصائل، يحاولون إعادة المعادلات العسكرية والأمنية والسياسية للمناطق المحتلة، والتي تغيرت تماماً لصالح المقاومة وعلى حساب الکيان الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى، لصالح تل أبيب.

وفي الواقع، فإن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة وغيرها من الداعمين للخطة، هو إخراج حماس من دائرة السلطة السياسية في غزة، وتسليم مقاليد الأمور إلى منظمة السلطة الفلسطينية التي استمعت لأوامر الصهاينة وأمريكا في العقدين الأخيرين، وبالتالي نزع سلاح المقاومة وضمان أمن الصهاينة، لينسی الشعب الفلسطيني هدف تحرير القدس إلى الأبد تحت راية تشكيل الدولة الفلسطينية.

وتريد واشنطن أن يتم تشكيل الحكومة الفلسطينية المستقبلية بالهيكل الحالي لمنظمة السلطة الفلسطينية، المتوافقة مع سياسات تل أبيب وواشنطن من کل النواحي.

وتأتي التحركات العربية-الغربية حول المستقبل السياسي لفلسطين، بينما تم تجاهل دور أهل غزة وفصائل المقاومة، باعتبارهم اللاعبين الأساسيين في الحرب مع الکيان الصهيوني.

لقد دفع أهالي غزة وفصائل المقاومة ثمناً باهظاً خلال الأشهر الخمسة الماضية لحماية أراضيهم، وإذا كان لا بد من اتخاذ قرار بشأن مستقبل هذه المنطقة، فإن مصيرها يجب أن يكون في أيدي أهل غزة، الذين تمكنوا من إلحاق أكبر هزيمة تاريخية بالاحتلال الإسرائيلي بمقاومة شرسة.

معوقات تشكيل دولة تكنوقراط

رغم أن تشكيل دولة فلسطينية شاملة يعدّ خطوةً مهمةً، إلا أن هناك عقبات كبيرة أمام تنفيذ هذه المبادرة، ويتمثل التحدي الأكبر في هذا الاتجاه في تنامي قوة حماس بين الفلسطينيين، والتي تعتزم أمريكا، بمساعدة بعض الدول العربية، دمجها وإزالتها تدريجياً من البنية السياسية الفلسطينية.

لقد أصبحت حماس الآن راسخة ليس فقط بين أهل غزة، بل بين سكان الضفة الغربية وحتى على الساحة الدولية، باعتبارها المحرك واللاعب الأهم في التطورات في فلسطين، ولن يكون من الممكن التخلص منها بسهولة.

وخلافاً لتصورات الدول الغربية والعربية، فإن سيناريو نزع سلاح حماس وإدخالها في هيكل منظمة السلطة الفلسطينية لن يضعف هذه الحركة فحسب، بل سيزيد أيضاً من شرعيتها بين سكان الضفة الغربية.

وفي العامين الماضيين، وفي أعقاب تكثيف أعمال الاحتلال التي تقوم بها الحكومة الصهيونية بقيادة المتطرفين في الضفة الغربية، انفصل المئات من أفراد قوات الأمن التابعة لمنظمة السلطة الفلسطينية عن جسم هذه المنظمة، وانضموا إلی جماعات المقاومة، لأن عباس والمنظمة من وجهة نظرهم متنازلون ويميلون إلی التسوية، ولا إيمان لهم بقضية القدس وتحرير الأراضي المحتلة.

إن تأثير حماس بين سكان الضفة الغربية، وخاصةً جماعات المقاومة المنشأة حديثاً في هذه المنطقة، يظهر القوة العالية لهذه الحركة، التي تمكنت من زيادة شعبيتها بين الفلسطينيين من خلال نهجها في الحملات الانتخابية، ولهذا السبب، ألغى محمود عباس الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الضفة الغربية في نيسان 2021، بناءً على طلب تل أبيب، خوفاً من فوز حماس.

ومن ناحية أخرى، فإن العائق الأساسي أمام أي مبادرة سياسية لحل أزمة غزة والقضية الفلسطينية، هو الحلم المجنون لليمين المتطرف الحاكم في الکيان الإسرائيلي بالاحتلال الدائم للأراضي الفلسطينية المحتلة. 

إن الکيان الصهيوني ملتزم بتدمير حماس، ويقول إنه لأسباب أمنية لن يقبل حتى بحكم المنظمة الفلسطينية في غزة، ويرى المسؤولون الصهاينة المتشددون أنه يجب تدمير حماس وخطابها إلى الأبد، وإذا كان قادة المقاومة حاضرين في الحكومة الفلسطينية المقبلة، فإن تل أبيب ستعارض ذلك بالتأكيد، لأنهم، بمعرفتهم بقيادات حماس، يخشون أن تفرض هذه الحركة خطابها وأفكارها على التيارات السياسية الفلسطينية، وفي هذه الحالة ستكون الظروف الأمنية أصعب بكثير على المحتلين.

إن تشكيل حكومة التكنوقراط، التي يتحدث عنها الأمريكيون والعرب، بعيد كل البعد عن التنفيذ، لأن تركيبة حكومة التكنوقراط وحجم مسؤولية حماس في غزة لا تزال غير واضحة، ما يجعل آفاق الحكومة الشاملة قاتمةً.

لقد أثير مثل هذا السيناريو من قبل في لبنان، حيث إنه بعد انتخابات 2018، التي شهدت انتصار المقاومة، حاولت فرنسا والولايات المتحدة تفعيل أدواتهما مرةً أخرى باستخدام احتجاجات 2019 كذريعة لإخراج حزب الله من السلطة، لكن قادة هذا الحزب قالوا إن تشكيل حكومة تكنوقراط أو خبراء من دون حضور المجموعات السياسية التي فازت في الانتخابات النيابية، محكوم عليه بالفشل.

ورغم أن العديد من الجماعات الفلسطينية والمراقبين السياسيين يعتقدون أن تشكيل حكومة وطنية سيكون مقدمةً لإنهاء الانقسام بين الفلسطينيين، إلا أن تجربة العقدين الماضيين تظهر أن الوساطات الإقليمية والدولية فشلت في إنهاء الانقسام السياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية، وتريد السلطة الفلسطينية السيطرة على كل شؤون فلسطين الأمنية والسياسية، لكن الشعب وفصائل المقاومة لن يسمحوا بذلك.

أظهرت طبيعة الحرب في غزة والإبادة الجماعية التي ارتكبها الکيان الصهيوني، والتي أيقظت أذهان العالم، أن المقاومة ستبقى ولا يوجد ما يشير إلى تدميرها، وأن الجهود ديمقراطية الطابع للجبهة الغربية العربية، لا يمكن أن توقف المقاومة من طريق قتال المحتلين.


رقم: 1119751

رابط العنوان :
https://www.islamtimes.com/ar/article/1119751/کواليس-استقالة-محمد-اشتية-هي-الطبخة-العربية-الغربية-لقطاع-غزة

اسلام تايمز
  https://www.islamtimes.com