كيف تخلى العالم عن أطفال غزة؟
موقع الوقت التحليلي الإخباري , 5 شباط 2024 09:15
اسلام تايمز (فلسطين) - حصيلة شهداء غزة تتزايد يوماً بعد يوم وللأطفال النصيب الأكبر منها في وقت فشل فيه قادة شعوب العالم في التدخل وإيقاف آلة القتل الصهيونية فيما ينحصر عمل المنظمات الإنسانية والدولية على نشر الإحصاءات والتنديد وكان آخرها إعلان منظمة الأمم المتحدة للطفولة أن 17 ألف طفل في غزة باتوا من دون ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم جراء الحرب الدائرة في غزة ودعت المديرة التنفيذية لليونيسف "كاثرين راسل"، إلى عدم التخلي عن أطفال غزة؛ مؤكدة بأن وضعهم يزداد قتامة يوما بعد آخر، لعلّ وعسى أن تستفيق الإنسانية في دول قررت تعليق مساعداتها المادية للأونروا ومعاقبة الشعب الفلسطيني بشكل جماعي إرضاء للنازية الصهيونية.
وفي ظل العدوان الجاري، تواجه الأسر الممتدة صعوبة في رعاية الأطفال الذين فقدوا والديهم بسبب نقص الغذاء والماء والمأوى، لذلك، يتطلب الوضع توفير رعاية مؤقتة على نطاق واسع، مع الحفاظ على اتصال الأطفال بأسرهم أو البحث عنهم حتى يتمكنوا من الالتقاء بهم عندما يستقر الوضع.
لا يمكن للعالم أن يتخلى عن أطفال غزة
يدفع الأطفال في قطاع غزة ثمنا باهظا من أرواحهم ومعنوياتهم جراء الحرب التي تشنها آلة الحرب الصهيونية على القطاع منذ السابع من أكتوبر الماضي دون أي اعتبار لقوانين دولية أو قرارات أممية أو أخلاق حرب.
وفي هذا السياق قالت«اليونيسف»، إن تقديراتها تشير إلى أن 17 ألف طفل في غزة أصبحوا من دون ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم خلال الصراع، ويعتقد أن جميع الأطفال تقريباً في القطاع بحاجة إلى دعم في مجال الصحة النفسية، فيما دعت المديرة التنفيذية لليونيسف السيدة "كاثرين راسل"، إلى عدم التخلي عن أطفال غزة؛ مؤكدة بأن وضعهم يزداد قتامة يوما بعد آخر.
وأشارت "راسل" في تدوينة لها على منصة "إكس"، بأنه "لا يمكن للعالم أن يتخلى عن أطفال غزة"، ونشرت مديرة "يونيسف" مع التدوينة بيانا للجنة الدائمة المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة، بتاريخ 31 كانون الثاني الماضي، والذي وصف تعليق بعض الدول دعمها المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بأنه "يقود إلى كارثة على سكان قطاع غزة".
وحذر البيان الذي حمل عنوان "لا يمكننا التخلي عن سكان غزة"، من أن "تعليق الدعم المالي للأونروا أمر خطير وسيؤدي إلى انهيار النظام الإنساني في غزة، وسيكون لذلك عواقب بعيدة المدى على الصعيد الإنساني وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي جميع أنحاء المنطقة"، إن خطوة وقف التمويل لنحو 60% من تمويل الأونروا بجوار حصار غزة واستمرار المجازر اليومية تمثل إعداما فعليا للاجئين الفلسطينيين بالأخص في غزة والضفة الغربية، وهو ما يتطلب من الدول الرافضة للاحتلال المبادرة للضغط لاستكمال مهام الأونروا ووقف الحرب ورفع الحصار كي يحقق الفلسطينيون الحد الأدنى من متطلبات الحياة، فالحد من قدرة الأونروا على القيام بخدماتها تجنٍ لا ينبغي أن يحدث، حيث إن تعليق تمويل الأونروا عقاب جماعي للفلسطينيين.
وحتى 30 كانون الثاني الماضي، قررت 18 دولة والاتحاد الأوروبي تعليق تمويلها لـ"أونروا"، وهذه الدول هي «الولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وألمانيا وهولندا وفرنسا وسويسرا والنمسا والسويد ونيوزيلاند وأيسلندا ورومانيا وإستونيا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي»، وفقاً للأمم المتحدة، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي إلى 27 ألفا و131، بينما بلغ عدد الجرحى منذ بدء الحرب 66 ألفا و287.
معاناة أطفال غزة
تتعدد جوانب معاناة أطفال غزة في ظل الحرب العدوانية الدائرة في القطاع فقد تأذى أطفال غزة كثيراً بسبب التصعيد العنيف الأخير بعد أحداث السابع من أكتوبر، فقد أزهقت الأرواح وتمزقت الأسر، ولحقت آثار مدمرة بالأطفال، ودمرت المدارس والمرافق الصحية والمخابز والأسواق، وسويت المنازل والمكاتب بالأرض، وهجّرت أسر بأكملها، لطالما كانت حياة الأطفال في قطاع غزة صعبة جداً، حتى قبل التصعيد الأخير، وبالنسبة للأطفال لا يوجد أي مكان آمن في أي من أنحاء قطاع غزة، ويمكن تلخيص جوانب المعاناة التي تعيشها الطفولة في غزة من خلال:
اضطرابات نفسية
حسب مدير الاتصالات بمكتب «اليونيسف» في الأراضي الفلسطينية، جوناثان كريكس، إن الأطفال تظهر عليهم أعراض مثل مستويات عالية للغاية من القلق المستمر، وفقدان الشهية ولا يستطيعون النوم، أو يمرون بنوبات اهتياج عاطفي أو يفزعون في كل مرة يسمعون فيها صوت القصف.
وتابع: قبل هذه الحرب، كانت اليونيسف تعتبر بالفعل أن 500 ألف طفل بحاجة إلى خدمات الصحة النفسية ودعم نفسي في غزة، واليوم، تشير تقديراتنا إلى أن جميع الأطفال تقريباً بحاجة إلى هذا الدعم، أي أكثر من مليون طفل، ودعا إلى وقف لإطلاق النار لتتمكن «اليونيسيف» من إجراء إحصاء مناسب للأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين عن ذويهم، وتحديد أقاربهم، وتقديم الدعم في مجال الصحة النفسية.
تجويع
يستخدم كيان الاحتلال أبشع الأساليب للضغط على الشعب الفلسطيني وتصعيد الوضع في قطاع غزة من خلال "حرب التجويع" التي يمارسها بحق المدنيين في القطاع، لمفاقمة الوضع المعيشي الذي وصل لمستويات كارثية، كأداة للإخضاع، حيث إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تقدم الدليل تلو الدليل على انتهاجها حرب التجويع، عبر استهدافها المباشر ومنذ اليوم الأول للعدوان على المخابز والمصانع والمحال التجارية والأسواق ومحطات وآبار وخزانات المياه، إضافة إلى قصف المولدات الكهربائية ووحدات الطاقة الشمسية، التي تعتمد عليها المرافق الحيوية من منشآت تجارية ومطاعم ومؤسسات مدنية، للحفاظ على الحد الأدنى من عملها، في ظل انقطاع تام للكهرباء، ونفاد الوقود بالإضافة لمنع وصول المساعدات الغذائية للقطاع، فيما توثق تقارير أممية حالات لأطفال يعتقد الأطباء أنهم توفوا بسبب الجفاف الناجم عن الجوع الشديد.
برد قارس
في ظل أجواء شتوية باردة تحلّق أطفال نازحون في أحد مراكز الإيواء بمحافظة رفح جنوب قطاع غزة، يحاولون التدفئة بأي وسيلة متوافرة إن توافر شيء! حيث يعاني النازحون المقيمون في خيام من شح الملابس والفراش والأغطية، فيضطر الأهل والشبان بشكل عام إلى خلع ملابسهم، لتدفئة الأطفال، فيما تفاقم الأمطار الغزيرة المعاناة، والمياه تجتاح الخيام، والأطفال يصابون بالأمراض الشتوية، وبالأوجاع من شدة البرد.
حكم آخر بالموت
جاء قرار الدول بتعليق مساعداتها للأونروا بمثابة حكم أخير على من تبقى من أطفال غزة بالموت وأكدت المنظمات الإغاثية على أن ذلك "سيؤثر على المساعدات المنقذة للحياة لأكثر من مليوني مدني في غزة، أكثر من نصفهم من الأطفال، يعتمدون على مساعدات الأونروا"، فالدول التي تعلق الأموال تخاطر بزيادة حرمان أطفال فلسطين في المنطقة من الغذاء الأساسي والمياه والمساعدة والإمدادات الطبية والتعليم والحماية.
أحلام بسيطة
أطفال غزة الذين يستهدفهم الاحتلال يحملون في جيناتهم سر الحياة والحلم المتوارث جيلا بعد جيل، حتى إذا ما قتل أحدهم استمر الحلم، أطفال غزة وأطفال فلسطين ليسوا ككل الأطفال، فالأكيد أن الحياة أجبرتهم أن يكونوا كذلك، أطفال غزة يقفون في الطوابير ساعات طويلة للحصول على قنينة ماء، ولم نسمعهم يتذمرون أو يتخاصمون أو يتدافعون، أطفال غزة الذين يتعرضون للقصف ويصابون بالجروح يجلسون في قاعات العلاج يحبسون الدموع وينتظرون أن يأتيهم الطبيب... سأل صحفي طفلا فلسطينيا عن حلمه عندما يكبر فقال “نحن أطفال فلسطين لا نحلم بالمستقبل فنحن لا نعيش لأجل ذلك"، أحد الأطفال لم يتجاوز الثالثة قال إنه يريد الشهادة لأنه جائع وهو يعتقد أن هناك في الجنة ما يكفي من الخبز، لم يطلب أكثر من الخبز فهذا كل ما يريده، أكيد أن لكل طفل من أطفال غزة حكاية يجب أن تدون وتوثق وتنقل فأطفال غزة ليسوا مجرد أرقام في سجلات المنظمات الإنسانية، أطفال غزة اسم وعائلة وهوية سيتعين أن تظل في الذاكرة ولا تندثر مع الزمن، حكايات أطفال غزة في محنتهم الراهنة وهم يواجهون آلة القمع الإسرائيلي التي تواصل عمليات الانتقام الجماعي والتشفي وحصد أرواح في محاولة لمسح تفاصيل ما حدث في السابع من اكتوبر الماضي بقيت عاجزة أمام صمود الفلسطينيين، هذا الشعب الذي استحق صفة شعب الجبارين واستحق معه أطفال غزة أن يكونوا الأبطال التاريخيين لكل المعارك وهم الذين يقدمون لنا كل يوم دروسا يعجز عنها أكبر الأخصائيين والخبراء في علم النفس .
شهادات لصغار نجوا من الموت لكنهم يعيشون محاصرين بالقصف والانفجارات والحرائق وركام بيوتهم أو بيوت جيرانهم، دون طعام أو شراب أو أدنى شعور بالأمن، أحد هؤلاء الأطفال قال إنه لا يستطيع النوم خلال الليل ولا يعرف ماذا يفعل، وإن يديه أصبحتا تؤلمانه من كثرة الارتجاف، وقال الطفل -من وسط أحد مخيمات النزوح- إنه كان كلما نظر من نافذة بيته وجد بيتا من بيوت الجيران قد قصف، ووصف كيف يعيش الآن بلا مياه ولا كهرباء ولا أي شيء، وقالت طفلة أخرى وهي تذرف الدموع إنها تحلم بالعودة إلى منزلها لأن أفراد أسرتها لا يملكون غيره، وإن كل شيء فيه يمثل ذكرى، في حين قالت ثانية إنها خائفة مثل بقية الناس، وذكرت ثالثة أنها تشتاق لمدرستها وألعابها وكتبها، طفل آخر عبّر ببراءة عن أمله بالعودة لبيته وأصحابه وألعابه ودراسته بل معلمه الذي يحلم بأن يقبّله مجددا، بدلا من الحياة وسط الرمل والشوك، مضيفا إنه لا يحب الحرب لأن كل أصحابه قضوا فيها وعلى عكس السابقين، تقول طفلة إنها تشتاق إلى ضحكة أمها التي لم تعد تفعل شيئا إلا البكاء، مؤكدة أنها لم تعد تطيق الحرب التي تأتيهم عاما بعد عام، وتحدث كثيرون من وسط الحطام عن حلمهم بأن يعودوا لبيوتهم وفراشهم ودراستهم، وكلها أمور حولها كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى ركام.
فيما تبدو أحلام الأطفال كلها واحدة وبسيطة جدا وتمثل أبسط حقوقهم التي نصت عليها القوانين الدولية، إلا أنها لم تعد ممكنة في ظل المأساة التي يعيشها القطاع.
ختام القول
روَّج الكيان الصهيوني لفكرة أنه لا يوجد أطفال في غزة، بل هناك فقط إرهابيون ودروع بشرية، وبغض النظر عن الطريقة التي تنظر بها إلى الأمر، فإن أطفال غزة محاصرون في عالم شُيِّدَ قبل فترة طويلة من وصولهم، حيث شهد تقلبات تتجاوز سيطرتهم، وتسلب إنسانيتهم، وعلى غرار باقي الآباء في كل مكان، ما إن يتناهى إلى المسامع بكاء أطفالهم، حتى يهرعون إليهم لحملهم و تهدئتهم، وهو ما يُعَدُّ ردَّ فعلٍ إنسانيا وطبيعيا للغاية، وبالتالي إذا فقدنا حِسنا تجاه صرخات جميع الأطفال في غزة وأصابنا الخدر، ألا يعني ذلك أننا نجازف بخسارة إنسانيتنا أيضا؟!
من الذي سيحاكم، الحكومات التي أصابها الخدر، والقادة الذين يهيمنون على الشؤون الدولية ويتجاهلون صرخات وأنين الأطفال في غزة ويحرمونهم أبسط أحلامهم، والذين عملَ تجاهلهم ونفاقهم وسياساتهم التي تخدم النفس في الماضي والحاضر، على إنتاج هذه المأساة؟ لا بد أن يكبر الناجون من أطفال غزة يوماً ويحاكمون العالم على جرائمه، يحملون الحزن والخوف والشعور بالذنب والغضب والاغتراب، ويبحثون عن الانتقام..
رقم: 1114009