QR CodeQR Code

تقاعس حكومات العرب تجاه فلسطين.. مواقف لا تتعدى الكلام

6 كانون الثاني 2024 09:19

اسلام تايمز (فلسطين)- إن أحد أهم الأسباب التي دفعت كيان الاحتلال الإسرائيلي للتمادي في حربه على الفلسطينيين في قطاع غزة، وإبادة الفلسطينيين وتدمير كل شيء، هو اطمئنان هذا الكيان لعدم وجود رد فعل عربي حازم وقوي على عدوانه الإجرامي.


الخذلان العربي الرسمي

أظهرت الشعوب العربية كافة دعمها الكامل للفلسطينيين، وتأييد مطالبهم، واستعدادها لنصرتهم بكل السبل الممكنة لها، لكن تلك المواقف الشعبية الحازمة لم تنعكس في قرارات الحكومات العربية بشكل حقيقي، فمند بداية الحرب لم نلحظ موقفا حكوميا عربيا نستطيع التعويل عليه لإحداث تغيير في الوضع الذي يعانيه الفلسطينيون، فكل مواقف العرب توجهت إلى إدانة الحرب عموماً، ولا سيما استهداف الأطفال والنساء، ورفض العدوان، وتهجير الفلسطينيين.

في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعو إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة"، بين كيان الاحتلال ومقاتلي حماس، وتم تبني القرار غير الملزم، الذي تقدم به الأردن، بأغلبية 120 صوتا مقابل 14 صوتا وامتناع 45 عن التصويت، وقد صوتت معظم دول الشرق الأوسط لصالح القرار.

كانت الشعوب العربية تنتظر مواقف قوية من حكوماتها، إذ إن الأنظمة العربية قادرة على اتخاذ مجموعة من الإجراءات والمواقف المؤثرة والفاعلة في هذه الحرب وأقلها اتخاذ موقف عربي موحد لإنقاذ الفلسطينيين من الإبادة، وإلغاء كل أشكال التطبيع مع كيان الاحتلال، وطرد سفرائه من الدول التي طبعت معها، إضافة إلى ورقة في غاية الأهمية وهي النفط والمقاطعة الاقتصادية للضغط على الاحتلال والحلفاء الذين يدعمونه.

حكومات عربية ضد الحرب.. ولكن..!!

إن أبرز أسباب التخاذل في الموقف الرسمي العربي تجاه نصرة الفلسطينيين يرجع إلى تبعية تلك الأنظمة للقوى المهيمنة في العالم ولا سيما الولايات المتحدة وحليفتها "إسرائيل".

فمع بدء الحرب أدانت الإمارات العربية المتحدة والبحرين، هجوم حماس على كيان الاحتلال، ولا سيما أنهما قامتا بتطبيع العلاقات مع الكيان من خلال اتفاقيات أبراهام، لكن مع استمرار التصعيد الإسرائيلي وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين، كان لا بد من تسجيل موقف مساير للمواقف العربية العمومية، فقامت البحرين بالسير على خطا الأردن الذي استدعى سفيره في كيان الاحتلال، وسحبت سفيرها من الكيان، وغادر السفير الإسرائيلي في المنامة المملكة، وأوقفت المملكة العربية السعودية محادثات التطبيع مع كيان الاحتلال، ودعت إلى وضع حد فوري للعنف، وإلى حل يضمن للفلسطينيين حقوقهم.

وصدر في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بيان مشترك لوزراء خارجية الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين والسعودية وعمان وقطر والكويت ومصر والمغرب أدان "استهداف المدنيين وانتهاكات القانون الدولي في غزة"، مستنكرا التهجير القسري والعقاب الجماعي في غزة وكل أعمال العنف والإرهاب.

إن أغلب الدول العربية، كانت تتعاطى مع ملف الحرب على غزة انطلاقاً من التوافق مع مصالحها الخاصة، فمصر قد حذرت من مغبة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة، ودعاوى مسؤولي الكيان المشجعة لتهجير الفلسطينيين خارج حدود غزة، لأن ذلك انتهاك صارخ لالتزامات "إسرائيل" بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ولكل أحكام القانون الدولي الإنساني، وخاصة أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

لكن الموقف المصري الحازم كان الرفض التام للتهجير القسري للفلسطينيين خارج حدود أرضهم، إذ تعده الحكومة المصرية خطاً أحمر لن يتم السماح بتجاوزه، وأكد ذلك القائد العام للقوات المسلحة المصرية، وزير الدفاع المصري، محمد زكي، حين قال: إن "القضية الفلسطينية تواجه منحنى شديد الخطورة والحساسية، وتصعيداً عسكرياً غير محسوب لفرض واقع على الأرض، هدفه تصفية القضية".

لكن موقف الرئاسة المصرية كان أكثر وضوحاً تجاه الخط الأحمر، فالتهجير ليس مرفوضاً لذاته، وإنما هو مرفوض نظرا للمكان الذي سيتم التهجير إليه، حيث قال الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقاء مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة: "إذا كانت هناك فكرة للتهجير، فلِمَ لا يُنقل الفلسطينيون إلى النقب..؟"، مشيراً إلى أن مصر ترفض أن تتحول سيناء إلى "قاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية ضد إسرائيل"، وإلى أن "ما يحدث في غزة الآن ليس عملا ضد حماس، وإنما محاولة لدفع المدنيين إلى اللجوء والهجرة إلى مصر".

كما يبرز الهم الأمني المصري تجاه قضية التهجير، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري، بقوله: إن القضية الفلسطينية هي "قضية القضايا ولها تأثير كبير جدا في الأمن والاستقرار"، مذكرا بأن مصر "أيّدت منذ سنوات تأسيس دولة فلسطينية منزوعة السلاح".

فكان الموقف المصري في التعامل مع القضية الفلسطينية منطلقاً من الحرص المصري على عدم تغيير الواقع الأمني والديمغرافي فيما لو تم تهجير الفلسطينيين، وكذلك الخوف من انعكاس تداعيات الحرب على الجانب المصري فيما لو استمرت.

وشاطرت الأردن مصر هم التهجير ولا سيما بعد أن بدا واضحاً للأردنيين الهدف المباشر من هذه الحرب والذي هو تهجير الفلسطينيين من أرضهم، من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وهو خط أحمر أساسي أيضا للقيادة الأردنية، فمنذ بدء العدوان تتوجه التصريحات الرسمية الأردنية باتجاه الرفض المطلق لأي خطوة تهدف لتهجير الفلسطينيين، أو أن يؤدي تصاعد وتوسع الصراع إلى تدفق اللاجئين من الضفة الغربية إلى داخل الحدود الأردنية. 

وحذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري السيسي، في بيان مشترك من كارثة إقليمية في حال اتساع نطاق هذه الحرب، وأكدا موقف الأردن ومصر الموحد الرافض لـسياسة العقاب الجماعي من حصار أو تجويع أو تهجير للأشقاء في غزة، مشددين على أن أي محاولة للتهجير القسري إلى الأردن أو مصر مرفوضة.

وأكد العاهل الأردني على وجوب التعامل مع الوضع الإنساني داخل حدود قطاع غزة والضفة الغربية، مشيرا إلى أنه لا يمكن استقبال اللاجئين في الأردن، ولا في مصر جراء الحرب على غزة، وهذا خط أحمر.

فالأردن ينادي بحل الدولتين، لذا انطلق القلق الأردني من الخشية من محاولات كيان الاحتلال إفراغ الضفة وغزة من ساكنيها، وترحيلهم إلى الأردن ومصر، ما يعني تصفية القضية الفلسطينية، إذ أعلن الأردن رفضه المطلق أن يكون "الوطن البديل" للفلسطينيين، ضمن ما عرف بـ"صفقة القرن"، التي روج لها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

إن الأردن قد عانى سابقاً من تبعات الهجرة واللجوء، إذ استقبل فلسطينيين ولبنانيين وعراقيين وسوريين خلال العقود الماضية، وكلهم لم يعودوا، الأمر الذي شكل عبئاً كبيراً عليه، على مختلف الأصعدة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية أيضا، إذ إن قيام دولة فلسطينية يمكن أن يشكل ركيزة أساسية للأمن الوطني في الأردن.

فالتعامل الأردني مع الحرب على غزة كان مرتكزا على عدم تغير الوضع القائم في فلسطين، وفي المملكة، وبالتالي فرض أعباء على الأردن لا يستطيع تحملها.

أما الدول الخليجية كالسعودية والإمارات والبحرين ومعها المغرب فيحكم موقفها تجاه الحرب على غزة علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدول التي طبعت علاقاتها مع الكيان، باستثناء السعودية التي تتجه نحو التطبيع، إذ لم تستطع هذه الدول اتخاذ مواقف خارج النطاق الأمريكي المسموح به لرد الفعل تجاه الحرب، فالمسموح به هو التنديد والاستنكار والإدانة، أما المواقف المؤثرة والتي تفرض وقائع جديدة تؤثر على سير الحرب، فقد تجنبتها تلك الدول حرصا على العلاقة مع الأمريكيين، ولضمان استمرار الدعم الأمريكي، وخاصة في المجال العسكري.


رقم: 1107346

رابط العنوان :
https://www.islamtimes.com/ar/article/1107346/تقاعس-حكومات-العرب-تجاه-فلسطين-مواقف-لا-تتعدى-الكلام

اسلام تايمز
  https://www.islamtimes.com