إسلام تايمز - مدرسة الشهيد القائد سليماني لا تتوقف عند استشهاده، وعملية "طوفان الأقصى" تأتي انسجاما مع الإجراءات غير المكتملة والمهمة التي كان الحاج قاسم يعتزم اتخاذها من أجل إضعاف مكانة أمريكا في المنطقة وتعزيز موقف المنطقة محور المقاومة.
وأمريكا فشلت في تحقيق أهدافها في منطقة غرب آسيا خلال العقدين الأخيرين وتشهد تراجع مكانتها في هذه المنطقة. وبشكل عام فإن استراتيجية أمريكا في غرب آسيا في العقدين الأخيرين كان لها عدة جوانب، وهي؛ احتواء أو إضعاف موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونزع المقاومة من المنطقة، وإعادة بناء موقعها في غرب آسيا، وأخيرا تحقيق استقرار وتعزيز موقف النظام الصهيوني.
ويقول المنظر الأمريكي ستيفن لاندمان: إن أمريكا لن تغير سياستها في غرب آسيا أبدا. هدف واشنطن هو رسم خريطتها الخاصة، وإضعاف دول المنطقة، ونهب ثرواتها، وتقاسم الغنائم مع الشركاء الإمبرياليين. وطالما أن هذه المنطقة غنية بالنفط، فإن تدخل الجيش الأمريكي سيستمر هناك.
وعن اغتيال الشهيد سليماني، قال المنظر الأمريكي "اغتيال الجنرال سليماني أغضب الملايين في جميع أنحاء المنطقة وان الانتقام لاغتياله آت لا محال".
إن تقييم الأوضاع الحالية في غرب آسيا يظهر أن التطورات في المنطقة تسير ضد استراتيجية الولايات المتحدة ومصالحها. ولم يقتصر الأمر على عدم إضعاف موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل اتجهت دول المنطقة نحو إعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال قبول موقف طهران في المنطقة.
ولم يقتصر الأمر على عدم حدوث تراجع في المقاومة في منطقة غرب آسيا، ولكننا اليوم، وفقًا لما قاله قائد الثورة الإسلامية، نشهد تشكيلًا مزدوجًا للمقاومة والاستسلام في المنطقة. ولم تفشل أمريكا في إعادة بناء موقعها في غرب آسيا فحسب، بل إن أهم ما يميز غرب آسيا، بحسب قائد الثورة الإسلامية، هو معاداة أمريكا.
بالإضافة إلى ذلك، ورغم أن النظام الصهيوني حاول تثبيت موقفه مع الإدارة الأمريكية من خلال تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، إلا أن عملية "طوفان الأقصى" التي وقعت يوم 7 أكتوبر على يد مقاتلي حماس شكلت أكبر فشل عسكري واستخباراتي على الإطلاق وأظهر النظام الصهيوني أن هذا النظام لا يزال يواجه تهديداً وجودياً.
وكان لفشل أمريكا في تحقيق أهدافها في غرب آسيا أسباب عديدة، ولكن من أهم الأسباب كان الدور المتميز لقائد الفريق الحاج قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، في الأحداث والمعالم المهمة في منطقة غرب آسيا. ويصف العديد من الأميركيين الشهيد سليماني بأنه "عدو من الدرجة الأولى" وبطريقة أكثر احتراما "عدو محترم".
وكان السبب الرئيسي لهذا التفسير هو الاعتراف بدور الشهيد سليماني في فشل أمريكا في تحقيق أهدافها في منطقة غرب آسيا. قدم سكوت ريتر، ضابط المخابرات السابق في الجيش الأمريكي، وصفا مثيرا للاهتمام لأسلوب عمل الجنرال الشهيد سليماني وفي جزء من روايته يقول: سليماني كان جنرالا ودبلوماسيا ناجحا ولعب اللعبة بشكل أفضل منا، كان هزمنا طوال المباراة ولم يكن لدينا حل وقتلناه.
لكن السؤال المهم هو كيف حقق الشهيد سليماني هذا النجاح المهم؟ للإجابة على هذا السؤال يمكن الإشارة إلى نقطتين مهمتين.
استخدام قدرات الناس وشبكات المقاومة
من أهم خصائص الثورة الإسلامية في إيران حصولها على دعم شعبي واسع. وهذا الدعم كان موجوداً دائماً خلال الثورة وخلال الـ 45 عاماً الماضية في مختلف المشاهد، خاصة في مواجهة المكائد الداخلية والمؤامرات الخارجية. وكان الدعم الشعبي عاملاً مهماً في إفشال جميع مؤامرات العدو لإسقاط الجمهورية الإسلامية.
واستغل الشهيد سليماني هذه السمة المهمة للثورة الإسلامية الإيرانية لتعزيز مكانة محور المقاومة في منطقة غرب آسيا. ومن أهم الإجراءات التي تم تنفيذها خلال 22 عاما من قيادة الشهيد سليماني، انتشار جماعات المقاومة في المنطقة.
وفي الماضي، كانت جماعات المقاومة متواجدة في دولتي لبنان وفلسطين، لكن الجغرافيا السياسية لإنشاء هذه الجماعات شهدت تغيرات واسعة النطاق خلال 22 عامًا من قيادة الفريق الشهيد سليماني، بحيث أصبحت اليوم، بالإضافة إلى لبنان وفلسطين، هذه الجماعات متواجدة أيضاً في سوريا والعراق واليمن، وهي قائمة ولها دور مؤثر، لدرجة أن أنصار الله في اليمن يعتبرون الفاعل السياسي الأكثر تنظيماً في هذا البلد، والذي استطاع تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء.
واليوم، تشكل جيل جديد من جماعات المقاومة في فلسطين، والتي وسعت عمليات المقاومة إلى الأراضي المحتلة، وفي العراق، تؤمن عدة مجموعات بطرد الجنود الأمريكيين من هذا البلد. إن تعزيز محور المقاومة لم يتم فقط من خلال تكاثر هذه المجموعات، بل إن تماسك هذه المجموعات وتكاملها وعملها الشبكي مهم للغاية.
وفي الحرب الأخيرة على غزة، رد اليمنيون بهجمات صاروخية على السفن الصهيونية أو السفن المتجهة إلى الأراضي المحتلة من أجل الدفاع عن غزة، وردت فصائل المقاومة العراقية على دعم واشنطن للجرائم الصهيونية بهجمات متكررة على القواعد الأمريكية في هذا البلد. ولعب انتشار جماعات المقاومة وشبكاتها دورا كبيرا في إضعاف مكانة أمريكا في المنطقة.
الجمع بين الدبلوماسية والميدان
إحدى المهارات المهمة التي يتمتع بها الشهيد سليماني هي أنه في نفس الوقت الذي كان فيه قائدًا عسكريًا، كان يعمل أحيانًا أيضًا كدبلوماسي. لقد نجح الحاج قاسم في المزج بين الدبلوماسية والميدان وتنفيذهما بشكل مشترك. ومن الأمثلة المهمة والعلنية إقناع روسيا بالمشاركة في الأزمة السورية. ولعب الوجود الروسي دوراً مهماً في نجاح النظام السوري في هزيمة الجماعات الإرهابية والحفاظ على سلامة أراضي البلاد.
ولا شك أن موافقة روسيا على الوجود العسكري في سوريا جاءت نتيجة المهارات الدبلوماسية للشهيد سليماني. وفي الواقع، كان من أهم إنجازات هذا القائد الإيراني الاعتراف الصحيح والواعي بالأحداث البيئية والسياسية واتخاذ القرارات السياسية الصحيحة وفي الوقت المناسب. على سبيل المثال، مثلما أقنع الحاج قاسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتواجد العسكري في سوريا، فقد رفض أيضًا فتح رسالة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق، لإظهار أنه يعرف العدو.
خلاصة الكلام
والحقيقة أن تراجع الهيمنة الأميركية في منطقة غرب آسيا بدأ مع الصحوة الإسلامية في العالم العربي. إن المخططات الأميركية في المنطقة، والتي كانت، بحسب قائد الثورة الإسلامية، تهدف إلى نزع المقاومة وتعزيز موقف النظام الصهيوني، باءت بالفشل وتحول محور المقاومة إلى تحالف وجيوسياسية المقاومة باعتراف الأميركيين.
وكان التصور الأميركي أنه باغتيال الجنرال سليماني سيتوقف تقدم وتعزيز المقاومة في منطقة غرب آسيا. لكن فهم الأميركيين كان خاطئاً، لأنه رغم أن الشهيد سليماني كان قائداً فريداً للمقاومة، إلا أن مدرسة سليماني لا تتوقف عند استشهاده. وإن عملية "طوفان الأقصى" هي استمرار للعمليات غير المكتملة والمهمة التي كان الحاج قاسم سليماني يعتزم القيام بها من أجل إضعاف موقف الولايات المتحدة في المنطقة وتحسين موقف محور المقاومة.
موقع وكالة أنباء إيران تلكس