هروب ‘‘لواء غولاني‘‘ من غزة... الأسباب والنتائج
موقع الوقت , 26 كانون الأول 2023 10:23
اسلام تايمز (فلسطين المحتلة) - في الوضع الذي يزعم فيه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني ومسؤولون آخرون في هذا الكيان أنهم سيستمرون في الحرب على غزة حتى القضاء التام على حماس، لكن في الشهر الثالث من الحرب، أصبحت علامات الهزيمة واضحة أكثر فأكثر، حيث اضطر المحتلون إلى تقليص خسائرهم واتخاذ قرارات صعبة، وذكرت القناة 12 الصهيونية، الخميس، أنه بعد أكثر من 70 يوما في غزة وفقدان 44 جنديا، غادر "لواء غولاني" غزة ليتنفس منتعشاً وليكون مع عائلاته لبضعة أيام، وزعمت القناة أن الجنود ينتظرون أوامر العودة إلى غزة لاستئناف القتال.
وأكدت هذه الشبكة الصهيونية: أن السلطات السياسية الإسرائيلية ستقوم قريبًا بمراجعة الانتقال إلى المرحلة التالية من الحرب في غزة، بما في ذلك تقييم قوات الجيش الموجودة داخل هذا الحاجز. كما أفادت قاعدة "واللا" الصهيونية بأن المرحلة التالية من الحرب في غزة هي إطلاق سراح جنود الاحتياط وإقامة سياج أمني وتنفيذ هجمات أكثر تركيزا، وبعد إعلان انسحاب لواء غولاني من غزة، أعلن الجيش الصهيوني انسحاب كتائب من لواء المظليين من شمال وجنوب غزة.
ورغم أن بعض وسائل الإعلام الصهيونية حاولت تبرير انسحاب لواء غولاني بأنه إجراء طبيعي ووفقاً لظروف الحرب، إلا أن هذا الانسحاب تم بعد الضربات الغزيرة التي وجهتها فصائل المقاومة لهذه القوات، والتي كبدت العدو خسائر فادحة في صفوفها خلال الأسابيع الأخيرة، وجاء خروج كتيبة غولاني من غزة بعد أن تكبد هذا اللواء خسائر فادحة في الكمين الذي نصبته قوات القسام في منطقة الشجاعية شرق غزة يوم 13 ديسمبر الماضي، والذي استشهد خلاله 9 ضباط وأصيب 4 آخرون، وفي وقت سابق، اعترف قائد عسكري سابق في جيش الاحتلال بحجم الأضرار التي لحقت بالقوات الإسرائيلية منذ حرب غزة، واعترف موشيه كابلنسكي، القائد السابق للواء غولاني، بأن "هذا اللواء فقد ربع قواته منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وقال إن الخسائر البشرية مرتفعة، حيث أصيب وقتل 82 ضابطا وجنديا".
وتظهر الصور ومقاطع الفيديو التي تم نشرها لقوات غولاني في غزة وهم يحتفلون بعد أن أمروا بالانسحاب والعودة إلى ديارهم، ما يدل على مدى الضغط الذي تعرضوا له خلال الشهرين الماضيين. واعترف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري الأسبوع الماضي بأن جنود هذا الكيان متعبون ومنهكون أمام موجة الهجمات التي تشنها حماس، ومع انسحاب لواء غولاني ومظلي الجيش، ليس من الواضح بعد عدد القوات الموجودة في غزة، لكن المؤكد أن عددا كبيرا من هذه القوات غادر غزة بسبب الخسائر الكبيرة، وسيكون من الصعب الاستمرار في القتال في ظل غياب قوات النخبة التابعة للغولاني.
هزيمة لواء غولاني في غزة
ورغم أن وسائل الإعلام والسلطات الإسرائيلية تزعم أن لواء غولاني سيعود إلى صفوف الجيش، إلا أنه حسب الخبراء فإن هذا اللواء يعتبر قوة منهارة، وفي حديثه للجزيرة عن انسحاب لواء غولاني، قال الخبير العسكري فايز الدويري: "حسب القوانين العسكرية فإن إخراج وحدة عسكرية من المعركة يعني خسارة 40 بالمئة من القدرات القتالية البشرية والعتاد"، ولذلك فإن انسحاب لواء غولاني يؤكد حقيقة ما أعلنته كتائب القسام عن تدمير عدد كبير من آليات جيش الاحتلال، وكشف الدويري أن انسحاب الغولاني من منطقة الصراع يظهر طبيعة المعركة وفعالية قوى المقاومة في إدارة المعركة البرية.
وقال حاتم الفلاحي، الخبير العسكري العراقي، إن "عدد قوات هذا اللواء يبلغ 2500 جندي، وقتل وجرح 500 جندي في حرب غزة"، وهذا يدل على أن كيان الاحتلال لا يكشف عن الأعداد الحقيقية لقتلاه، والخسائر بهذا العدد مرتفعة جداً بالنسبة للواء من قوات النخبة والألوية المدربة على القتال في مناطق مهمة وتستخدمها قيادة الجيش في صراعات حادة ومعقدة، إذا كان لواء مدرب لديه هذا العدد الكبير من الضحايا، فإن الألوية الأخرى تكبدت خسائر أكبر، وهذا الأمر يؤثر على القوات المتبقية في هذا اللواء".
وتزايدت الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي في معارك غزة، وأعلن المحتلون في الأيام الأخيرة أنهم تكبدوا أكبر عدد من الضحايا منذ أكثر من شهر بعد الكمين الذي نصبته قوات حماس في غزة. ومنذ بدء الاجتياح الإسرائيلي لغزة، تكبد جيش هذا الكيان خسائر كبيرة من حيث الأفراد والعتاد، وخلال هذه الفترة قُتل ما لا يقل عن 471 جنديا إسرائيليا وأصيب أكثر من 1900 جندي، 43 منهم في حالة حرجة.
إن تقرير وسائل الإعلام العبرية عن حجم ضحايا الجيش في غزة أكبر بكثير من الإحصائيات التي يعلنها الجيش، لأنه حسب وسائل الإعلام، تم نقل أكثر من 5000 جندي إلى المستشفيات، وحسب مدير الجيش الإسرائيلي في المقابر العسكرية، يتم دفن جندي واحد كل 24 ساعة، ما يدل على أن الجيش الصهيوني تكبد خسائر فادحة، وأعلن المتحدث باسم القسام أبو عبيدة في كلمته اليوم الخميس، أنه تم استهداف 720 آلية عسكرية إسرائيلية منذ بداية الهجوم البري على غزة.
"لواء غولاني" قوة النخبة في الجيش
إن انسحاب لواء غولاني مهم من حيث إنه يعرف باللواء رقم 1 في "إسرائيل"، وبما أنه اللواء الأول الذي انضم إلى جيش الاحتلال فور قيام الكيان عام 1948، فهو يعتبر لواء مشاة في الجيش الإسرائيلي، ويعتبر جنود هذا اللواء من نخبة الجيش، لأن بعض وحداته، خاصة "الأغوز"، تخضع لتدريبات واختبارات شاقة تتعلق بنصب الكمائن والاستطلاع والتمويه، وتتطلب قدرات بدنية وقتالية عالية.
إن مركز تدريب هذا اللواء يسمى قرية الجحيم، والهيكل الرئيسي لهذا اللواء يتكون من طلاب المدارس الدينية المتطرفة، ويوجد فيه خمسة وثلاثون بالمئة من العرب والدروز، ويتكون هذا اللواء أيضًا من ثلاث دبابات ميركافا و4 كتائب، ومن بين الأجزاء الأخرى لهذا اللواء كتيبة مهندسين وكتيبتين ومدفعية وكتيبة مظليين وسرية للحرب الإلكترونية والخدمات الطبية.
وحسب الصهاينة فإن من نقاط قوة قوات الغولاني هي عمل كمائن للعدو والقتال في حرب المدن، أما في غزة فقد رأينا أن هذا اللواء تعرض لكمائن متكررة من قبل جماعات المقاومة وتكبد خسائر فادحة، وكان ضعفه واضحا، وقد ظهر ذلك بوضوح في المعارك الأخيرة في غزة، ومع ذلك، فإن تراجع مثل هذه القوات الماهرة، التي يفتخر بها الجيش الإسرائيلي، له تأثير سلبي للغاية على معنويات الجنود الصهاينة الآخرين، الذين لم يعودوا الآن يثقون في وعود القادة العسكريين والسياسيين بتحقيق نصر مؤكد في الحرب ويخافون أن يُقتلوا في الميدان.
المرحلة الثالثة من الحرب محكوم عليها بالفشل
وبالتزامن مع انسحاب قوات لواء غولاني، أعلن الجيش الصهيوني أنه يستعد لبدء الجولة الثالثة من العمليات، وهناك تهديد ببدء المرحلة الثالثة من الغزو، في حين أن الجيش الصهيوني لم يحقق الكثير في المرحلتين السابقتين في شمال وجنوب غزة، ومن أجل تعويض هزائمه في شمال القطاع، دخل جيش الاحتلال إلى جنوب غزة قبل ثلاثة أسابيع من أجل تقديمه على أنه إنجاز كبير للرأي العام، بل انعكس في وسائل الإعلام اكتشاف نفق حماس بطول 4 كيلومترات، بشكل واضح لدرجة أن الكثيرين كان يُنظر إليهم على أنهم علامة على الأيدي الفارغة لمجلس الوزراء الحربي، وحتى الآن تشير التقارير الواردة من التطورات الميدانية في الجزء الجنوبي إلى أن كتائب القسام وجهت ضربات قاتلة للصهاينة، وخاصة كتيبة غولاني.
ولذلك فإن الإعلان عن التخطيط للمرحلة الثالثة من الحرب، بدلاً من إظهار التقدم في العمليات البرية، يظهر الفشل في تحقيق هدف النصر السريع على حماس والاستيلاء على غزة، مع الأخذ في الاعتبار الإرهاق والإصابات التي لحقت بقوات الكيان البرية خلال الـ 78 يوماً الماضية، ولا يتوقع المراقبون تغيراً ملحوظاً في الوضع الميداني، وتحاول السلطات في تل أبيب التظاهر بأن انسحاب أمهر قوات الجيش من غزة هو لقضاء الإجازة وزيارة عائلاتهم، لكن من حيث المبدأ فإن حكومة نتنياهو لا تريد إضعاف معنويات القوى الأخرى من خلال الكشف عن تفاصيل هذا الإجراء.
وأثار انسحاب لواء غولاني مخاوف بشأن تأثيره على معنويات ما تبقى من ألوية وفرق الجيش، الأمر الذي قد يضعف صفوف القوات، وخاصة أن خسائر العسكريين لا يمكن تعويضها بسهولة، إذ يستغرق الأمر وقتا طويلا، والخسائر التي مني بها الجيش الإسرائيلي جراء المقاومة تقوض جهود حكومة نتنياهو لإقناع الرأي العام وحلفائه بتحقيق مكاسب هذه الحرب، لقد أدركت السلطات الصهيونية الآن أنه على الرغم من كل خطابات نتنياهو، لا يمكن هزيمة حماس، أو على الأقل أفكار حماس، بالقوة العسكرية، وفي اجتماع مجلس الوزراء الأمني الذي عقد الأسبوع الماضي، أشار رئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، إلى أنه لا يمكن هزيمة حماس أو على الأقل أفكار حماس بالقوة العسكرية، أنه كان لديه صراع لفظي مع إتمار، بقيادة وزير الأمن الداخلي بن جوير.
لقد أدركت حكومة نتنياهو حقيقة أن استمرار الحرب في غزة لن يؤدي إلا إلى زيادة الخسائر البشرية وتكاليفها، ما سيزيد من حدة موجة الصراعات الداخلية، لذلك تتم التحركات الدبلوماسية لوقف إطلاق النار في غزة على هذا الأساس من أجل تقليل حجم الخسائر البشرية، لأنه لا يمكن الاعتماد على الجيش.
رقم: 1104957