QR CodeQR Code

لماذا غيرت الهند موقفها تجاه فلسطين؟

موقع الوقت التحليلي الإخباري , 13 كانون الأول 2023 12:16

اسلام تايمز (الهند) - بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، شاهد العالم موقف الهند بذهول، حيث دعمت الهند بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا الكيان الصهيوني، خلافاً لتقاليد وتوقعات الرأي العام، وانسحبت من موقفها التاريخي الداعم لفلسطين واتخذت موقفاً جديداً.


هذا التطور لم يحدث دفعةً واحدةً، لكن أهمله العديد من الخبراء، وقد سبب هذا الإهمال الكثير من الحيرة، في حين أن الجواب كان دائماً أمام الأعين البصيرة.

لنعد إلی الوراء قليلاً، في السبعينيات اتخذت الهند موقفاً يتماشى مع شرعية فلسطين، ورسخت بنية رأي هذه الدولة تجاه فلسطين في عقليتنا، في حين كان لهذا الموقف منتقدون جادون في ذلك الوقت، وتسبب في مناقشات ساخنة في المجالس التشريعية في هذا البلد.

إذا أردنا الآن تخطي المناقشات التاريخية حول أصول حزب بهاراتيا جاناتا قبل تشكيله، فإن أصول هذا الحزب (في ذلك الوقت كمعارض للحزب الحاكم) كانت من بين أبرز المنتقدين لإعلان موقف واضح مؤيد لفلسطين، لقد اعتقدوا أن عدم انتهاج سياسة الغموض بدلاً من اتخاذ موقف واضح من القضية الفلسطينية، يعرض الأمن القومي للخطر من خلال وضع الهند في الصراع بين العرب والصهاينة، ويحرم الهند من قدرتها على التوازن.

ووفقهم، فإنه نتيجةً لإعلان موقف واضح فإن تغييره سيكون مكلفاً، ويضر بأمن الطاقة الهندي بالنسبة للعرب، وكان لهؤلاء الأشخاص موقف مماثل فيما يتعلق بحرب الخليج الفارسي، وبمعنى آخر، في اعتماد هذه السياسة، كانت الظروف هي السبب، وليس الجهات الفاعلة.

ومع أخذ هذه الحقيقة التاريخية في الاعتبار، فإن سبب تغيير الهند موقفها تجاه القضية الفلسطينية وانحرافها عن نفعية حزب بهاراتيا جاناتا، يجب أن ينظر إليه في تغير ظروف اللعبة.

ولعل أهم ما ينبغي أن ينظر إليه في هذا التغيير، هو ارتياح الهنود تجاه العالم الإسلامي وخاصةً العرب في مسألة أمن الطاقة، واحتياجات الهند المعلوماتية والاستثمارية والمالية والتكنولوجية من الکيان الصهيوني، وهو ما تحقق بفضل تطبيق قراءتها لسياسة عدم الالتزام التي تنتهي بـ"الاستقلال الاستراتيجي".

إن الاستقلال الاستراتيجي هو نتيجة لسياسة أدت إلى زيادة قوة وديناميكية الإجراءات الهندية، في عصر عدم اليقين في العلاقات الدولية، ومن أجل فهم أبعاد هذا الاستقلال الاستراتيجي، لا بد من زيادة نطاق الرؤية قليلاً فيما يتعلق بالتطورات الجارية في الهند.

عندما تعترف الهند بأن الصين تشكل تهديداً متزايداً، فيتعين عليها أن تعمل على إيجاد توازن بين عدم الالتزام والقرب من الغرب وحلفائها، لأنها تعلم أن مواجهة الصين تتطلب زيادةً غير مسبوقة في الإنفاق العسكري، واستيعاب التكنولوجيا الغربية.

بعد عام 2014، ومن أجل الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي، تتبع الهند عدم الالتزام من خلال زيادة التعاون الاستراتيجي بين حلفاء الجبهة الغربية، ومع ذلك، تعتمد الهند على الدول الإسلامية في أمن الطاقة، وهذا يفرض عليها علاقات ودية معها، وانطلاقاً من هذه الحاجة، خلقت الهند خلال الثلاثين عاماً الماضية نوعاً من الاعتماد المتبادل مع العرب، من خلال تشابك مصالحها مع العرب وبفضل اقتصادها المزدهر.

ومن ناحية أخرى، يرى بعض أعضاء الحزب أنه لا ينبغي القلق بشأن النزعة الإسلامية للدول الإسلامية، وهذا لا يشكل تهديداً للهند، لأن هذه الدول نفسها متورطة في خلافات أيديولوجية وعرقية واقتصادية مع بعضها البعض.

وفي مثل هذا الوضع، فإن مراجعة الدعم لفلسطين سوف تظهر اصطفاف الهند مع الغرب، وهذه المراجعة لن تكلف الدول الإسلامية، وخاصةً العرب، واللاعبون الجادون القلائل ليس لديهم الوسائل لممارسة الضغط، وفي مثل هذا الوضع، تعلن الهند موقفها من بين أوائل المؤيدين للکيان الصهيوني بأقل تردد.

وفي الوقت نفسه، يمكن تحديد المعارض الأكثر أهميةً لهذا التغيير في الموقف، في الهند نفسها، وعلى هذا الأساس، وفقًا لحزب بهاراتيا جاناتا، فإن مسلمي الهند، وخاصةً الأغلبية السنية، هم أحد العوائق أمام تقدم الأهداف الاستراتيجية للهند، وبالطبع فرصة استثنائية أيضًا.

وعلى الرغم من أن حزب بهاراتيا جاناتا حزب مناهض للمسلمين، إلا أنه قبل في مجال السياسة الخارجية أنه محاط بالدول الإسلامية، ويجب أن تكون له علاقات ودية معها، ومع ذلك، ومن أجل خلق التوازن، تعمل الهند على تعزيز العلاقات مع الکيان الصهيوني باعتباره الكيان الوحيد غير الإسلامي في الشرق الأوسط منذ سنوات.

وبهذا النهج، تستخدم الهند سكانها المسلمين كعامل للتقرب من المسلمين والدول العربية، لكن في الوقت نفسه تشعر الهند بالقلق بشأن الوضع في كشمير.

وللهند موقف واضح وتاريخي في التأثير على آراء المسلمين في سياستها الخارجية، وهو ما أوضحه حزب بهاراتيا جاناتا في مؤتمر بعنوان "الوحدة الإسلامية في حرب الخليج الفارسي والهند" (Symposium on Gulf War-Pan-Islamist and India) عام 1991.

في خضم حرب الخليج عام 1991، أعلن هذا الحزب رسمياً أنه "لابد من وقف تأثير جماعات الضغط الدينية والإيديولوجية الداخلية على سياسة الهند الخارجية"، وخاصةً في القضايا المتعلقة بالمسلمين، فلا ينبغي للمرء أن يتخذ مواقف لمجرد جذب رأي المسلمين الهنود، وهو ما يضر جميع الهنود، حتى المسلمين الهنود أنفسهم... وسياسة الهند الخارجية يجب أن تعتمد بشكل كامل على المصلحة الوطنية".

نعود إلى هذا السؤال مرةً أخرى، كيف تمكنت الهند من الحصول على الاستقلال الاستراتيجي تجاه القضية الفلسطينية؟ الجواب في تغيير النهج العربي تجاه فلسطين، وزيادة شراكات الهند الاستراتيجية مع الغرب وحلفائه، وخاصةً القادة العرب، وفوق كل ذلك تراجع القضية الفلسطينية لدی النخب الهندية.

والوثيقة الأكثر دقةً لهذا الادعاء، هو البحث الأكاديمي، وفقًا لهذا البحث، في الفترة من 1922 إلى 2012، طغت مجموعة جديدة من النخب التي ترى في الکيان الصهيوني شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا للقرن المقبل، على النخب الهندية التقليدية الداعمة لفلسطين.

ومع ذلك، من وجهة نظر السياسة الخارجية، ربما يكون هذا الحدث أقل صلة بظهور الهندوسية المتطرفة في الهند، وفي هذا الصدد، رغم أن "جورج ثانام" في تقريره لمركز أبحاث راند بعنوان "ثقافة الهند الإستراتيجية"، يعتبر التوترات الداخلية في الهند عائقًا أمام تحقيق الأهداف الإستراتيجية للبلاد، إلا أن جايشانكار وفي لقاء مع موقف التقنيات الجديدة في عام 2022، وصف التطورات الداخلية في الهند بأنها ضجيج داخلي فقط، ولا يؤثر على هدف الهند النهائي.

وبعبارة أخرى، فإن طبقة النخبة في الهند ترى بحق المصالح الاستراتيجية للهند كدولة مستقلة عن التطورات والنزاعات الداخلية المعتادة في الهند، لدرجة أن "لاكشامي تشوندري" يرى أن تحقيق التقدم تم تقديمه على حساب أي ذوق ومزاج محلي في الهند، وهو ما يؤكد الفهم المشترك لجميع الأطياف السياسية الهندية للاستقلال الاستراتيجي، رغم اختلاف وسائل تحقيقه.

على سبيل المثال، يمكن ذكر المسلمين باعتبارهم عامل تأمين الطاقة في الهند، وفي الوقت نفسه عائقاً أمام تحقيق الأهداف الاستراتيجية للبلاد، وإذا كان أساس السياسة الخارجية الهندية هو التوترات الداخلية والدينية في البلاد، فإن النفعية تجاه المسلمين لن تعتبر عملياً لمصلحة أمن الطاقة في الهند.

وقد تكون قضية الهندوسية المتطرفة ضمن مشكلة مواجهة المسلمين، أو قد نشهد إعلان دعم الهندوس المتطرفين للکيان الإسرائيلي وطلب إرسالهم إلى الأراضي المحتلة، لكن على صعيد السياسة الخارجية، حيث تدخل القضية مجال الاستقلال الاستراتيجي عن طريق عدم الالتزام، فإننا نرى أهدافاً مشتركةً لجميع الأطياف السياسية والنخب الهندية، رغم الاختلافات العملياتية في تحقيق تلك الأهداف.

وفي هذا الوضع، ربما تكون انتقادات المعارضة موجهةً إلى الدعم غير المسبوق الذي تقدمه حكومة مودي للكيان الصهيوني، لكننا لم نشهد قط أي انتقاد لنتيجة هذا الدعم، أو قطع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي أو الاستقلال الاستراتيجي، لأن استقلال الهند الاستراتيجي يتطلب ألا تدمر أي جسر بنفسها.

ولهذا السبب، امتنعت الهند عن التصويت على القرار العربي لوقف إطلاق النار في الأراضي المحتلة في الأمم المتحدة، ومن ناحية أخرى، ربما كان دعم الهند للكيان الصهيوني، أحد العقبات الرئيسية أمام إصدار بيان مشترك من الدول الأعضاء في مجموعة البريكس لدعم فلسطين في نوفمبر 2023.

والسبب في هذا الإجراء، هو سياسة عدم الالتزام التي تنتهجها الهند، وأساس تحقيق الاستقلال الاستراتيجي موجود في الارتهان، وتنظر الهند إلى القضية الفلسطينية من هذا المنطلق.

وطالما أن الهند لا تتقاضى التکلفة اللازمة من الكيان الصهيوني والجبهة الغربية، فإن هذا الدعم الكامل لن يتحقق، وفي الأساس لن يحدث هذا، لأن الهند يجب أن تكون دائمًا متقدمةً بخطوة على الجميع في المساومة.


رقم: 1102378

رابط العنوان :
https://www.islamtimes.com/ar/article/1102378/لماذا-غيرت-الهند-موقفها-تجاه-فلسطين

اسلام تايمز
  https://www.islamtimes.com