QR CodeQR Code

العقول الفلسطينية التي أدارت حرب غزة

موقع الوقت , 7 كانون الأول 2023 08:18

اسلام تايمز (فلسطين) - العقل هو مقدمة الجمع والعمل، كما أنه طريق يؤدي إلى النتائج ووجهات النظر، وبطبيعة الحال، نحن نعلم أن ما يدور في العقل لا يؤدي بالضرورة إلى النتائج المرجوة، ولكن كل شخص يتصرف حسب ما يدور في عقله. ولذلك، لتلخيص حقائق ونتائج حرب غزة، لا بد من معرفة الأفكار الموجودة لدی طرفي الساحة أو أكثر من ذلك.


يحاول هذا المقال دراسة هذه القضية بقدر ما تناسب سطوره، وقبل ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن ما "تعبر عنه" مختلف أطراف الميدان، ليس بالضرورة ما برز في أذهانهم، وفي عالم السياسة، هناك فرق بين "الإعلان" و"التنفيذ"، فمثلاً الشخص الذي يعلن أنه شجاع، لا يعتبر نفسه شجاعاً بالضرورة.

1- ما يفكر فيه الکيان الإسرائيلي هو أنه لا سبيل له للبقاء سوى "الإثبات"، وذلك لأن بقاءه كان موضع شك جوهري في أذهان المجتمع الإسرائيلي والمشجعين الأمريكيين والأوروبيين وبعض الدول الأخرى.

وقبل يومين، كشف فريد زكريا، مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي، أنه في آخر لقاء جمعه مع هنري كيسنجر قبل أيام قليلة من وفاته، أكد أن بقاء "إسرائيل" أمر مشكوك فيه بشكل جدي.

وقبل نحو أسبوعين، قال وزير الحرب في الكيان الصهيوني بوضوح: "إذا خسرت إسرائيل هذه الحرب ضد حماس، فإنها لن تبقى في الجغرافيا الحالية"، وقبل ذلك بيومين أيضًا، كان نتنياهو قد أدلى بتصريحات مماثلة لـ"غالانت" في مقابلة مع قناة فوكس نيوز.

ولذلك، يمكننا القول إن السلطات العسكرية والسياسية للکيان قلقة للغاية بشأن بقاء "إسرائيل"، وتعتبر أن السبيل الوحيد لاستعادة البقاء هو الانتصار في الحرب الحالية في غزة.

ما هي نتيجة هذا "العقل الإسرائيلي"؟ فمن ناحية، هذه العقلية تجبر الکيان الإسرائيلي على التصرف بعدوانية في الحرب، وعدم الثقة في الحل السياسي، ومن ناحية أخرى، فإن القلق من الفشل يسلب قوة التفكير ويعوق الإجراءات المدروسة والصحيحة للکيان، ويزيد من دائرة الأخطاء، وهذا الأمر يزيد من ضرر الکيان الإسرائيلي، ويجعل طريق النصر الأسرع للجبهة الأخری أكثر سلاسةً.

إن سلوك الجيش الإسرائيلي في المرحلة الثانية من الحرب - بعد انتهاء وقف إطلاق النار المؤقت - يظهر مدى إلحاحه الناجم عن إحساسه بالضعف، لقد خاض الجيش الإسرائيلي حرباً شرسةً في شمال غزة لمدة 48 يوماً، واستخدم كل إمكانياته للتغلب على مقاومة غزة، ومن أجل ذلك حظي بدعم جدي من أمريكا وأوروبا وغيرهما، ولكنه في النهاية لم يتمكن من تحقيق أي إنجاز في أهدافه المعلنة.

وعندما يُسأل قادة الجيش الإسرائيلي عن سبب عجزهم، يجيبون بأن مشكلتنا الأهم هي التشابك بين السكان وقوات المقاومة، خلال هذه الفترة، أدت محاولة الجيش للفصل بين هذين العنصرين إلى نقل جزء من سكان منطقة شمال غزة إلى وسط القطاع وجنوبه.

الجيش الإسرائيلي، ودون أن يغلق ملف الحرب في الشمال ويحقق التفوق على المقاومة في الشمال، نقل نموذج الحرب نفسه إلى الجنوب في المرحلة الثانية من الحرب، وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد سكان الجنوب من حوالي 1.2 مليون نسمة إلى حوالي 1.9 مليون نسمة، وهؤلاء السكان البالغ عددهم حوالي 700 ألف نسمة الذين هاجروا إلى وسط وجنوب غزة، هم جزء من السكان نفسهم المتداخلين مع المقاومة.

وفي الواقع، فإن الجيش الإسرائيلي، رغم اعترافه بأن السكان المتداخلين مع المقاومة في الشمال قد أعاقوا تحقيق أهدافه الرئيسية، فقد شن عمليات في وسط وجنوب غزة، بينما الآن وصل عدد السكان المنخرطين مع المقاومة في الجنوب إلى حوالي 1.5 مرة مقارنةً بالشمال، وذلك في حين أن الثقة بنجاح الجيش قد تضاءلت داخل الکيان وفي نظر الداعمين الغربيين مقارنةً بالفترة الأولى من الحرب بسبب الفشل، ولم يعد لديه الكثير من الوقت.

2- ما زرعه الأمريكيون والعديد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية الداعمة للكيان الصهيوني في أذهانهم، هو أن العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي وتکثيف الضغط على أهل غزة في الجنوب، سيؤدي إلى إيجاد حلول وسطية، وهو ما يحل في نهاية المطاف المشكلة الأمنية لبقاء "إسرائيل" ويعطي وجهاً جديداً لفلسطين، التي هي حالياً على أعلى مستوى من "المقاومة" والتضامن مع جبهة المقاومة.

الغربيون الذين انخرطوا في قضية احتواء المقاومة في المنطقة منذ عدة عقود، ولم يكن لهم نجاح فيها حتى الآن، يظنون أو على الأقل يأملون، في أن القتال العنيف في غزة سيحقق النتيجة المرجوة، لأنه يدور ضد "أصغر حلقة في سلسلة المقاومة الإقليمية"، ويمكنهم استخدام الإنجاز في هذه الحرب للسيطرة على بقية حلقات المقاومة الإقليمية، مع تفعيل الخيارات البديلة.

وعلى هذا الأساس، فإن الأمريكيين والأوروبيين، إلى جانب دعمهم السياسي والعسكري القوي لعمليات الجيش الإسرائيلي، "يتحدثون" أيضاً عن ضرورة احترام القضايا الإنسانية في الحرب، ويتحدثون عن استعادة قوة منظمة السلطة الفلسطينية في غزة وخطة حل الدولتين، وهم في الواقع يروجون لحلول بديلة للحرب.

لقد تبلورت في أذهان الجبهة الغربية إمكانية التخلي عن المقاومة الفلسطينية، على سبيل المثال، قال وزير الدفاع الأمربكي لويد أوستن قبل يومين: "على إسرائيل أن تتجنب مهاجمة المدنيين حتى يكون النصر على حماس ممكناً"، وتعني هذه العبارة أن القضية يمكن حلها من خلال الجمع بين الحرب والحلول البديلة للحرب.

وقبل ستة أيام (30 تشرين الثاني/نوفمبر) قال "عاموس هرئيل"، المحلل الأمني ​​الإسرائيلي، لصحيفة "هآرتس"، "إننا لن نحقق شيئاً بتبادل واسع النطاق لإطلاق النار فقط، الدوحة – غرفة المفاوضات بين الأطراف الغربية والعربية – تبحث عن إنجازات، وبالإضافة إلى الحكومات الغربية، فإن الدول العربية تتحدث بصوتين حتى لا تواجه الرأي العام للشعب، ولكن وراء الكواليس، جميعهم، وخاصةً الدول الأعضاء في مجلس التعاون، يريدون من الجيش الإسرائيلي أن ينهي الحرب في حال هزيمة حماس فقط".

هذه العقلية تدفع الغرب وخاصةً الولايات المتحدة إلى "شراء الوقت"، أي إن الغربيين يعتقدون أنه بما أن الوقت الحالي ليس في مصلحتهم، فإن عليهم أن يجعلوا الدول المختلفة تعمل من خلال طرح قضيتين متوازيتين (الحرب والحل البديل)، والقضاء علی حلقة المقاومة هذه.

في عقل أمريكا وحلفائها رغم أن الحرب هي أساس النجاح، إلا أنها لا يمكن أن تتحقق دون إدارة سياسية، في الفترة الجديدة، حاول الأمريكيون كثيراً إزالة الضغوط الخارجية عن الکيان الإسرائيلي، حتى يتمكن على الأقل من الوصول إلى "إنجاز فعال" على الساحة العسكرية، ولذلك، فإن السياسة الحربية للولايات المتحدة في المرحلة الحالية، تختلف عن سياستها الحربية في المرحلة السابقة.

لكن هذا العقل الأمريكي، وفي الواقع استراتيجية الإدارة المتزامنة لـ"الحرب وبدائلها"، لا يتوافق مع الواقع الميداني، لأنه أولاً وقبل كل شيء، فإن نجاح إدارة الجيش الإسرائيلي في حرب غزة و"إنجازه الفعال"، تحيط به هالة من الغموض.

لقد ربطت الولايات المتحدة تحقيق بدائل الحرب بنجاح الجيش الإسرائيلي في ساحة المعركة، ووضعتها في المرتبة الثانية، فإذا وصل الکيان الإسرائيلي في الخطوة الثانية من الحرب إلى نفس حالة الفشل التي وصل إليها في الخطوة الأولى من الحرب، وهو ما توجد أسباب قوية له، فلن يكون من الممكن استخدام الحلول البديلة.

ثانيًا، لعبة أمريكا ذات الوجهين تشبه إلى حد كبير ألعاب الرسوم المتحركة؛ لأنه في صنع الأبطال هذا تم تجاهل الجانب الأساسي من المشهد الذي تسبب في تدمير وجود "إسرائيل" وأمنها، كما تسبب في تهميش المخططات الإقليمية الأمريكية مثل صفقة القرن واتفاقيات التطبيع -المعروفة بأبراهام-!

لم تتمكن أمريكا والأوروبيون وعملاء أمريكا الإقليميون من التغلب على المقاومة منذ عشرين عاماً على الأقل، والآن كيف يمكن أن يتوقعوا تحقيق هدف "إسرائيل" الحربي وخططها البديلة، في مشهد تكون فيه للمقاومة اليد العليا؟!

3- إن عقول بعض الحكومات العربية، التي كان لها علاقات علنية وسرية مع الکيان الإسرائيلي منذ عقود، وكانت دائماً جزءاً من المخططات الأمريكية في المنطقة، ترى أن هذه الحرب ستؤدي إلى ثلاث نتائج في آن واحد.

فمن ناحية (حسب زعمهم) في هذه الحرب يتم إضعاف تنظيمات المقاومة الفلسطينية التي لم يكن لها أي علاقة بالقوى العربية في العقد الأخير وكانت متحالفةً مع محور المقاومة، وستترك الساحة لمصلحة الحركات الفلسطينية الداعمة للتسوية.

ومن ناحية أخرى، فإن استمرار الحرب يضعف سيادة الکيان الإسرائيلي على المنطقة العربية، ويجبره على قبول النموذج العربي للإدارة الفلسطينية، ومن ناحية ثالثة، فإن هذه الحرب وهزيمة المقاومة فيها ستقلل من نفوذ إيران وشركائها في المقاومة، وستمنح الجبهة العربية الضعيفة والمهمشة في المنطقة فرصةً لإعادة البناء.

وهذه العقلية هي التي تسببت في سلبية ونفاق دول المنطقة العربية، وبينما يتعرض شعب عربي شريف لضغوط شديدة، فإنها تتجنب الحد الأدنى من المساعدة وتكتفي بـ"التعبير عن الرأي العام". وهذا على الرغم من أنهم إذا نظروا بعناية، فسوف يرون أن هناك احتمال أقوى في هذه الحرب، وهو انتصار المقاومة الفلسطينية وجبهة المقاومة في الحرب.

وعلى الحكومات العربية أن تعلم أنه بانتصار المقاومة، فإن سلبيتها الحالية بعد انتهاء الحرب ستتحول إلى تدمير لهذه الحكومات، بسبب انتفاضة شعوبها، وقد توقع العديد من المحللين على المستويين الإقليمي والدولي، أن تندلع قريباً موجة جديدة من الثورات الإسلامية في الدول العربية.

ولذلك، فمن مصلحة حكومات مصر والأردن والسعودية وغيرها، أن تنأى بنفسها بسرعة عن السياسة السلبية تجاه الکيان الإسرائيلي، وأن تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني.

4- إن عقل "المقاومة" في هذه الحرب، يعتمد من ناحية على تعاليم دينية معينة تقوم على النصرة الإلهية الحاسمة، ومن ناحية أخرى يركز على الانهيار الداخلي لقوة "إسرائيل"، وتراجع القوة الإقليمية لأمريكا وعملائها في المنطقة.

ومخرجات هذا العقل أمران؛ أحدهما "المثابرة" والآخر "الأمل"، ولهذا شهدنا أنه رغم ضغوط الکيان الإسرائيلي الشديدة وقصفه الغاشم، إلا أن المقاومة لم تتراجع عن مواقفها ومبادئها خلال مرحلة الأيام السبعة من وقف إطلاق النار، وتمكنت من إدارة مشهد وقف إطلاق النار، وعندما بدأت الحرب من جديد استأنفت ضرباتها العنيفة.


رقم: 1100967

رابط العنوان :
https://www.islamtimes.com/ar/article/1100967/العقول-الفلسطينية-التي-أدارت-حرب-غزة

اسلام تايمز
  https://www.islamtimes.com