مسيرة لندن غير المسبوقة.. بوادر ظهور تحول كبير في الغرب
موقع الوقت التحليلي الإخباري , 17 تشرين الثاني 2023 09:09
اسلام تايمز (بريطانيا) - في الحرب الأخيرة على غزة، شهدت ظاهرة إعلان الغضب والاشمئزاز العالمي من سياسات الاحتلال الصهيوني وحالة الفصل العنصري الحاكمة في فلسطين المحتلة، تحولاً وطفرة ملحوظة، على نحو ما حدث في السنوات الماضية، ويمكن للمرء أن يرى الكثير من الأحداث التي تمكنت من جلب جماهير المواطنين من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وتعبر حرفيًا عن اقتراح "الرأي العام العالمي".
واليوم، أصبح عدد السكان المؤيدين للفلسطينيين في قلب شوارع الدول الغربية يتجاوز خيال التقديرات الأكثر تفاؤلاً، إن لم يكن أكثر من تجمعات الدول العربية والإسلامية، فهو ليس أقل، ويمكن رؤية مثال على هذا الحدث في مظاهرات الأمس (20 تشرين الثاني/نوفمبر) في لندن، والتي، على الرغم من كل القيود، حسب وسائل الإعلام، خرج أكثر من 500 ألف شخص بشكل عفوي إلى الشوارع ووحدوا كلمتهم من أجل دعم الفلسطينيين.
إن أهمية هذا الحدث، وخاصة في الدول الغربية، يمكن فهمها بشكل أفضل عندما ندرك أبعاد ونطاق الجهود التي بذلتها الصهيونية العالمية على مدى عقود من الزمن من خلال السيطرة على وسائل الإعلام الرئيسية وإنفاق ميزانيات مالية ضخمة لوضع رواية مقلوبة ومشوهة لإظهار الاحتلال على أنه حالة مشروعة وتصوير النضال التحرري للشعب الفلسطيني بأنه إرهاب، ولعقود من الزمن، لم يقم الصهاينة، من خلال الاختباء خلف قناع الضحايا التاريخيين للعنصرية وتحملهم مئات السنين من التهجير والقتل للشعب اليهودي تحت الشعار الأسطوري لمذبحة 6 ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية (المحرقة)، لا تحظى إلا بالدعم الكامل من جميع الحكومات الغربية، ولكنها اخترقت أيضًا مجتمعات هذه الدول بمختلف أساليب الإعلام، وخاصة الأعمال الفنية والسينمائية.
لكن الآن أكثر من أي وقت مضى، أصبحت نهاية شهر العسل الصهيوني واضحة في المجتمعات الغربية، لدرجة أنه، وخاصة بعد قيام حكومة اليمين المتطرف في "إسرائيل"، يمكن الادعاء بأن الرأي العام في الغرب ينظر إلى "إسرائيل" على أنها دولة يمينية متطرفة، وقد أدت خلفية التقدم التكنولوجي في قلب الشرق الأوسط إلى تغيير الوضع الراهن إلى نظام استعماري وتمييزي ومناهض للديمقراطية، وجدت نتائج استطلاع أجرته شركة إيبسوس لآراء 1439 أمريكيًا في الفترة من 21 إلى 27 يونيو 2023، أنه عندما سُئلوا عن رأيهم في الصهيونية، الحركة الرامية إلى إنشاء دولة يهودية فيما يعرف الآن ب"إسرائيل"، قال معظم المشاركين إن لديهم وجهة نظر سلبية، وبشكل عام فإن (30%) من أفراد العينة ينظرون إلى الصهيونية بشكل سلبي و20% ينظرون إليها بإيجابية، في حين أن معظم الذين لديهم نظرة إيجابية للصهيونية هم من الحزب الجمهوري، ومعظم الذين لديهم نظرة سلبية للصهيونية (36%) هم من الديمقراطيين.
إن وجود مزيد من الدعم للصهيونية بين الجمهوريين، الذي يضم اليمين وأغلبية المسيحيين الإنجيليين، أو الصهاينة المسيحيين، ليس بعيدًا عن المتوقع، لكن هذه الأرقام بالتأكيد تخص مجتمعًا لديه لوبي صهيوني قوي بكامل طاقته وأدواته الإعلامية (مثل مجمع مردوخ الإعلامي)، وسياسية (إيباك) ومالية قدمت رواية واحدة للأحداث الفلسطينية منذ عقود، وهو ما يعتبر تغييرا كبيرا، وحتى معهد بروكينغز، في تحليله لنتائج هذا الاستطلاع، اعتبر إعلان 58 في المئة من الاشخاص المشاركين الذين قالوا إنهم سيختارون الديمقراطية بدلا من اليهودية في "إسرائيل"، علامة على انخفاض الدعم للصهيونية في المجتمع الأمريكي، وتصبح العلاقة بين هذه النتائج وتراجع دعم الصهيونية واضحة عندما ننظر إلى نتائج استطلاع آخر أجري بين مارس وأبريل 2023، والذي بموجبه يصف الأمريكيون "إسرائيل" بشكل متزايد بأنها أقل ديمقراطية.
وفي الاستطلاع الذي أجراه باحثون في جامعة ميريلاند وإبسوس، عندما طُلب من المشاركين أن يصفوا كيف تبدو "إسرائيل"، اختار 9% فقط من المشاركين "ديمقراطية نابضة بالحياة"، وهو وصف شائع ل"إسرائيل" بين المسؤولين الأمريكيين، واختار الباقون "ديمقراطية معيبة" (13%)، و"حكومة ذات حقوق أقلية محدودة" (7%)، و"نظام فصل عنصري" (13)، وأجاب حوالي 56% بـ "لا أعرف". ويعتقد شبلي تلحمي، خبير شؤون الشرق الأوسط في جامعة ميريلاند الذي أجرى الاستطلاع، أن النسبة العالية من الإجابات بـ "لا أعرف" كانت مفاجئة، مشيراً إلى أن المشاركين "إما غير متأكدين أو قلقين بشأن الإجابة".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، طُرد البروفيسور مارك لامونت هيل من شبكة "سي إن إن" بسبب حديثه في لقاء للأمم المتحدة لإحياء ذكرى اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ما أثار جدلاً ساخنًا حول الانتقاد المشروع ل"إسرائيل"، ويظهر استطلاع للرأي العام أجرته جامعة ميريلاند مؤخراً أن العديد من جوانب آراء هيل منتشرة على نطاق واسع بين عامة الناس الأمريكيين، وأن هذه الآراء تعكس مواقف معادية للسامية، على النقيض من السرد السائد الذي يروج له رجال الدولة وجماعات الضغط ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الصهيونية، ليس الأمر كذلك، بل ضد النظام السياسي القمعي الذي أنشأه الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين.
ويمر الوضع في بقية الدول الغربية أيضًا بعملية مماثلة، ولكن ليس هناك ما هو أهم بالنسبة للصهاينة من الولايات المتحدة لمنع انتشار وجهة النظر السلبية وتنوير الرأي العام فيما يتعلق بالتطورات في فلسطين، ورغم أن الرأي العام الأمريكي لا يشكل دائماً السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن الاحتجاجات في مختلف المدن الأمريكية تظهر الفجوة في وجهات النظر العامة والسياسات الحكومية,
اعتقالات وصدامات
وكانت قد اعتقلت شرطة مدينة لندن ما مجموعه 100 شخص في مسيرات سابقة مؤيدة للفلسطينيين، بتهم بينها تأييد حركة حماس المصنفة في بريطانيا على قوائم الإرهاب، وعلى خلفية جرائم كراهية، غير أن مسيرة السبت الماضي أثارت قلقا لتزامنها مع "يوم الهدنة" الذي يحيي انتهاء الحرب العالمية الأولى في 1918، وعلى وقع انتقادات وجهت للشرطة لعدم حظرها التظاهرة، ونُصبت حواجز معدنية في محيط المناطق التي تتضمن النصب الأكثر أهمية، وحُددت منطقة حظر فيما مُنحت الشرطة صلاحيات لاعتقال أي متظاهر يحاول التجمع هناك.
وأمام نصب القبر الفارغ في وايتهول، وقف آلاف الأشخاص منحني الرأس وقد وضعوا دبوس زهرة الخشخاش، رمز المناسبة خلال مراسم مهيبة فيما أقيمت مراسم في أنحاء البلاد، هذا، وشهدت المظاهرة صدامات محدودة قرب النصب، عندما حاول متظاهرون من مسيرة مضادة كان العديد منهم يرتدون اللون الأسود ووجوههم ملثمة وآخرون يلوحون بالعلم البريطاني، اختراق طوق الشرطة، وقالت الشرطة لاحقا إنها ألقت القبض على 82 متظاهرا يقومون باحتجاج مضاد من أجل "منع الإخلال بالسلم"، مشيرة إلى أنهم "حاولوا الوصول إلى مسيرة الاحتجاج الرئيسية"، وأضافت "سنواصل اتخاذ الإجراءات لتجنب الفوضى التي من المحتمل أن تحدث إذا حدث ذلك".
وذكر رئيس العمليات في شرطة لندن لورانس تايلور أن التظاهرة المضادة ستتضمن على الأرجح مشجعين لكرة القدم من مثيري الشعب، وأن "من المرجح" أن تستخدم الشرطة القوة في مرحلة ما ضد "جيوب من المواجهات"، ورُشق عناصر الشرطة بمقذوفات في الحي الصيني (تشاينا تاون)، وفق ما أعلنت شرطة مدينة لندن على منصة إكس، وكانت قد ذكرت وسائل إعلام بريطانية أن رئيس مجموعة "رابطة الدفاع الانكليزية" اليمينية المتطرفة تومي روبنسون، كان من المشاركين في المظاهرة المضادة.
ما العوامل التي ساهمت في ظهور هذا التحول المذهل؟
الجواب يمكن رؤيته في ملخص التطورات التي شهدتها غزة في الأسابيع الأخيرة، وهو المستوى الأهم في مجال الإعلام، الثورة الإعلامية التي شهدتها السنوات الأخيرة في عصر التوسع في استخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، أدت إلى ظهور فضاء جديد في مجال المعلومات وتحدى احتكار القنوات التلفزيونية والفضائية السائدة في توضيح الرأي العام والوعي بالأخبار الخاضعة للرقابة، وقد لعب دورًا أقل أهمية، والآن تظهر جرائم الكيان الصهيوني بحق الطفولة بشكل واسع وكبير، رغم كل القيود التي ينظمها الغرب، علناً على العديد من منصات الفضاء الإلكتروني، رغم الحصار الكامل على غزة والقتل المتعمد للصحفيين لإسكات صوت الشعب، لكن سكان غزة أنفسهم ساهموا بشكل كبير في نقل الأحداث التي تحدث في غزة.
إن فشل السياسة الإعلامية الرسمية وسياسة الحكومات الغربية في تحويل الرأي العام عن حقائق الحرب غير المتكافئة في غزة تجلى بالكامل في ثقل الحضور الشعبي في مسيرتين متزامنتين في لندن، إحداهما هو الاحتفال الرسمي للعائلة المالكة لقتلى "إسرائيل"، والآخرى هو تجمع عام لدعم فلسطين، الأول عبارة عن عدد محدود للغاية من السكان وتحت إجراءات أمنية مشددة، لكن الثانية عبارة عن مظاهرة لمئات الآلاف من الأشخاص، لا يتذكر حتى سكان لندن مثلها في السنوات الأخيرة وهذه عبارة عن هزيمة كاملة للكيان الصهيوني وانتصار كبير في قلب أوروبا لفلسطين وغزة.
رقم: 1096261